طفرة الذكاء الاصطناعي تكشف الفارق بين من يستثمر ومن يجني الأرباح
                                محور بلس/ متابعات
شهدت وول ستريت أسبوعاً استثنائياً لم يكن بطله خفض الفائدة الفيدرالي ولا موجة الإفصاحات الفصلية، بل سباق شركات التكنولوجيا العملاقة نحو الذكاء الاصطناعي، ذلك السباق الذي بات المعيار الأول للحكم على مستقبل الشركات وقيمتها السوقية.
ورغم أن وادي السيليكون لم يهدأ منذ انطلاق حمى الاستثمار في هذه التقنية، إلا أن اتجاه السوق يشي بتغير في مزاج المستثمرين: الإنفاق وحده لم يعد يكفي، العائد هو الحكم.
ارتفعت مؤشرات الأسهم الأمريكية الكبرى وفق متابعات بقش، وفي مقدمتها “ناسداك 100” و”ستاندرد أند بورز 500″، لتقترب من قمم تاريخية جديدة، مستفيدة من أداء شركات مثل “أمازون” و”ألفابت”.
ومع ذلك، عاقبت السوق شركات أخرى لم تثبت بعد أن ضخ مليارات الدولارات في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي قادر على توليد أرباح ملموسة، كما حدث مع “ميتا” و”مايكروسوفت”.
في الوقت ذاته، تواصل “إنفيديا” لعب دور نجم المشهد، بعدما عزز سهمها مكاسبه ودفع القيمة السوقية للشركة لتصل إلى 5 تريليونات دولار. ومع اقتراب إعلان نتائجها في نوفمبر، يتعامل المستثمرون معها كمعيار دقيق لقياس صحة قطاع الذكاء الاصطناعي العالمي خلال المرحلة المقبلة.
استثمارات هائلة.. لكن العائد بات شرطاً أساسياً
توضح قراءة بقش لبيانات الأسبوع أن الشركات التي قدمت أدلة واضحة على ترجمة استثمارات الذكاء الاصطناعي إلى إيرادات تلقت مكافأة مباشرة من السوق، بينما تعرضت شركات أخرى لضغوط حادة حين غابت الأدلة. فمن جهة، انتعش سهم “أمازون” بنحو 10% بفضل تسارع نمو خدمات السحابة عبر AWS، رغم الزيادة الكبيرة في إنفاقها الرأسمالي.
الأمر ذاته انطبق على شركة “ألفابت”، حيث قفز سهمها 2.5% بعد إعلان نمو مبيعات “غوغل كلاود” بنسبة 34% لتصل إلى 15.2 مليار دولار. كما تضاعفت إيرادات الخدمات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي التوليدي أكثر من ثلاث مرات مقارنة بالعام السابق، ما منح المستثمرين الثقة بأن الشركة تسير في الاتجاه الصحيح.
في المقابل، تلقت “ميتا” أقسى رد فعل من السوق منذ ثلاث سنوات، إذ هوى سهمها بعد إعلان إنفاق ضخم دون قدرة واضحة على ترجمة ذلك إلى نمو في الإيرادات السحابية، مقارنة بنظرائها.
كما امتدت الضغوط إلى سهم “مايكروسوفت”، الذي فقد أكثر من 4% خلال يومين، بعد أن جاء نمو إيرادات الحوسبة السحابية دون المستوى الذي كانت تتطلع إليه الأسواق.
هذه التحركات تؤكد أن المستثمرين انتقلوا من حالة الهوس الأعمى بالذكاء الاصطناعي إلى مرحلة تقييم أكثر واقعية، حيث أصبح السؤال المطروح: كم عاد هذا الاستثمار على الشركة، وليس كم أنفقت عليه؟
سوق تكافئ الوضوح وتعاقب الغموض
الرسالة التي خرج بها المستثمرون هذا الأسبوع هي أن الشركات مطالبة بتقديم أدلة تشغيلية واضحة، وليس مجرد رؤى مستقبلية أو وعود فضفاضة.
فأرباح “أمازون” و”ألفابت” جاءت مدعومة بتفاصيل عملية حول مساهمة الذكاء الاصطناعي في تحريك الإيرادات، سواء عبر تحسين كفاءة الإعلانات أو توسيع نطاق الحوسبة السحابية.
في المقابل، لم تنجح “ميتا” في بناء الثقة رغم حديث رئيسها التنفيذي مارك زوكربيرغ عن توسع هائل في الطاقة الحاسوبية. المستثمرون يريدون نتائج قابلة للقياس، لا فقط مخططات طموحة أو قدرات تشغيلية فائضة تُبنى للمستقبل.
حتى “مايكروسوفت”، التي تُعد من أكبر اللاعبين وأكثرهم فائدة من طفرة الذكاء الاصطناعي حتى الآن، لم تكن بمنأى عن التدقيق حسب اطلاع بقش. فالإيرادات لم ترتفع بالمقدار الكافي لإقناع السوق بأن الذكاء الاصطناعي بدأ ينعكس على أعمالها الأساسية بوتيرة تصاعدية مستمرة.
وبين الشركات الرابحة والخاسرة، يبدو أن وول ستريت رسمت معادلة جديدة: نعم للاستثمار في الذكاء الاصطناعي، لكن بشرط أن يثبت نفسه على الميزانية العمومية.
“إنفيديا” في قلب المشهد.. ومعها ارتدادات الصناعة كلها
على رأس قائمة المستفيدين تقف “إنفيديا”، التي تواصل الهيمنة على صناعة رقائق الذكاء الاصطناعي، لتسجل قفزة مذهلة تقارب 9% خلال أسبوع وتبلغ قيمتها السوقية مستوى غير مسبوق عند 5 تريليونات دولار حسب تتبُّع بقش. هذه المكاسب جعلت نتائج الشركة المرتقبة في 19 نوفمبر الحدث الأهم في روزنامة الأسواق العالمية.
كما ارتفعت أسهم شركات عدة ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بمنظومة الذكاء الاصطناعي. “سوبرمايكرو”، المصنعة للخوادم، سجلت قفزات قوية، وكذلك “برودكوم”. وانضمت شركات مثل “سيغيت” و”ويسترن ديجيتال” للسباق بفضل التوقعات المتزايدة لارتفاع الطلب على حلول التخزين.
حتى الشركات الصناعية مثل “كاتربيلر” استفادت، إذ سجّل سهمها قفزة بنحو 10% مدعوماً بازدهار مشاريع بناء مراكز البيانات، ما يبرهن أن تأثير الذكاء الاصطناعي لم يعد محصوراً في قطاع التكنولوجيا فقط، بل امتد إلى الاقتصاد الحقيقي.
أما شركة “أبل”، التي تسير بخطى أكثر تحفظاً في الإنفاق على الذكاء الاصطناعي، فقد حققت ارتفاعاً بنحو 2.9% رغم نتائج متباينة، مستفيدة من ثقة السوق بقدرتها على تعزيز خدماتها تدريجياً دون مغامرات مالية كبيرة.
وول ستريت: الأرباح تتجاوز التوقعات.. والتفاؤل حاضر بحذر
مع إعلان ست شركات من مجموعة “العظماء السبعة”، تشير بيانات بلومبيرغ إنتليجنس إلى أن نمو أرباح التكنولوجيا الفصلية بلغ نحو 27%، مقارنة بتوقعات سابقة لم تتجاوز 15% وفق قراءة بقش. وعلى مستوى مؤشّر “ستاندرد أند بورز 500″، جاءت النتائج إيجابية أيضاً بنمو يقترب من 13%.
هذه الأرقام توفر مظلة دعم للسوق، وتؤكد استمرار الزخم في قطاع التكنولوجيا رغم التكلفة الهائلة للتحول نحو الذكاء الاصطناعي. ولكن مع ذلك، تبقى الأنظار مركزة على ركيزة الصناعة الأولى: إنفيديا. فأي مفاجأة سلبية في نتائجها المقبلة قد تعيد ترتيب المشهد بأكمله.
وبينما يواصل المستثمرون بناء مراكزهم، تبدو المزاجية العامة أقرب إلى الإيجابية المشروطة لا التفاؤل المطلق، وهي مرحلة نضج جديدة في تعامل الأسواق مع التكنولوجيا الثورية.
تثبت نتائج الأسبوع أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد عنوان دعائي أو موجة مضاربية، بل معيار فعلي للفوز أو الخسارة في أسواق المال. من يملك القدرة على تحويل خوارزميات متقدمة إلى إيرادات وأرباح، يكافأ فوراً. ومن يكتفي بالإنفاق دون نتائج واضحة، يواجه عقاباً مباشراً.
وبين صعود “أمازون” و”ألفابت”، وتراجع “ميتا” و”مايكروسوفت”، ونجومية “إنفيديا” بلا منازع، تكتب وول ستريت فصلاً جديداً في مسيرة الذكاء الاصطناعي: المرحلة القادمة لن تكون لمن ينفق أكثر، بل لمن يربح أكثر."




