“الجيل زد 212”.. حركة شبابية تهز الشارع المغربي وتفتح باب الأسئلة الكبرى

خاص
محور بلس
يشهد المغرب منذ نهاية سبتمبر موجة احتجاجات جديدة تقودها حركة شبابية أطلقت على نفسها اسم “الجيل زد 212”، نسبة إلى رمز الهاتف الدولي للمملكة. هذه الحركة، التي انطلقت شرارتها من العالم الرقمي، سرعان ما تحولت إلى ظاهرة اجتماعية وسياسية لافتة، أعادت إلى الأذهان مشاهد الحراك المغربي في 2011، وأثارت نقاشاً واسعاً حول واقع الشباب وثقتهم في المؤسسات.
بدأت القصة عندما أطلقت الحركة، يومي 27 و28 سبتمبر الماضي، دعوات للاحتجاج السلمي ضد الفساد والمطالبة بالعدالة الاجتماعية، عبر منصات التواصل الاجتماعي وتطبيق “ديسكورد” المخصص للألعاب الإلكترونية.
لكن ما كان مقرراً ليومين فقط، امتدّ لأسبوع كامل، وانتقل من الشاشات إلى الشوارع في عدد من المدن المغربية، بعد أن أشعلت مأساة وفاة ثماني نساء حوامل في مستشفى عمومي بمدينة أكادير غضباً واسعاً بين الشباب.
الاحتجاجات التي بدأت سلمية، شهدت لاحقاً توترات وأعمال عنف ونهب في بعض المناطق، خلّفت ثلاثة قتلى وعشرات الجرحى من المدنيين ورجال الأمن. ورغم ذلك، سارعت حركة “الجيل زد” إلى التبرؤ من هذه الأحداث، مؤكدة تمسكها بالنهج السلمي في التعبير عن مطالبها.
جيل رقمي.. ومطالب واقعية
يرى المحللون أن ما يجري في المغرب لا يمكن فصله عن موجة الغضب الشبابي التي تشهدها دول عدة، لكن في جوهره يعكس اختناقاً داخلياً وتراكم أزمات اقتصادية واجتماعية.
يقول أحمد البوز، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن “الجيل زد 212 يعبر عن مشاكل مغربية حقيقية تتعلق بالفساد وتدهور التعليم والصحة وغياب العدالة الاجتماعية”، مضيفاً أن “هذا الجيل ورث ذهنية الاحتجاج من حركة 20 فبراير، لكنه يوظف أدوات جديدة في التعبئة والتنظيم”.
أما الباحث محمد الشهبي، فيرى أن “الجيل زد المغربي ليس مجرد نسخة محلية من نظيره العالمي، بل هو جيل يعيش تهميشاً حقيقياً، يعاني من بطالة مرتفعة وغياب الأفق، ويستخدم الإنترنت كمساحة وحيدة للتعبير عن ذاته”.
أزمة ثقة.. واحتجاج بلا قيادة
بحسب مراقبين، يعاني الشباب المغربي من أزمة ثقة عميقة تجاه الأحزاب والنقابات التي يعتبرونها “دكاكين سياسية” تفتح فقط في موسم الانتخابات. ويقول الشهبي: “الأحزاب فقدت مصداقيتها، والحركات النقابية تراجعت قوتها التعبوية، فظهر احتجاج بلا قائد، بلا هياكل، وبوسائل رقمية بديلة”.
وتشير الأرقام إلى أن معدل البطالة في المغرب بلغ 12.8%، فيما تصل النسبة بين الشباب إلى 35.8%، ما يجعل الإحباط وقوداً جاهزاً لأي حراك اجتماعي.
جيل بلا أفق أم إنذار للتغيير؟
يصف محمد العمراني بوخبزة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة عبد المالك السعدي، هذا الجيل بأنه “قنبلة موقوتة”، موضحاً أن “ثلث سكان المغرب تتراوح أعمارهم بين 15 و35 عاماً، لكن السياسات العمومية لم تستثمر فيهم كما يجب”.
في المقابل، بدأت السلطات تتعامل مع الحركة بقدر من المرونة المشروطة، إذ سمحت بالتظاهر السلمي بعد انتقادات حقوقية، لكنها تعهدت في الوقت نفسه بـ”الضرب بيد من حديد” ضد مثيري الشغب. كما أعلنت الحكومة استعدادها للحوار، مؤكدة تفهمها لمطالب الشباب.
ويرى البوز أن “الحوار وحده لا يكفي ما لم تُترجم الوعود إلى إصلاحات ملموسة في التعليم والصحة وفرص التشغيل”، محذراً من أن تجاهل هذه الرسائل “سيحوّل الحوار إلى مجرّد آلية لربح الوقت”.
جيل يحرّك الماء الراكد
وفي تعليق لافت، كتب الباحث الاجتماعي ياسر بلهيبة على حسابه: “الجيل زد حرك الماء الراكد ودق ناقوس الخطر… إنه الجيل الذي تفتق وعيه في عالم رقمي منفتح، لكنه يعيش على أرض مثقلة بالأزمات”.
وبينما تستمر الاحتجاجات في مدن مغربية عدة، يبدو أن “الجيل زد 212” لا يطالب فقط بالإصلاح، بل بإعادة تعريف العلاقة بين المواطن والدولة في زمن جديد، حيث الصوت لم يعد يخرج من الميادين فقط، بل من خلف الشاشات أيضاً.