حين يُصبح التأهيل ترفًا للمعروفين ومحرومًا منه من يستحق

في وطن تتكاثر فيه التحديات وتُختبر فيه العزائم يومًا بعد آخر لا خيار أمامنا سوى التمكين الحقيقي للشباب وبناء الإنسان الذي يستطيع أن يحمل هذا الوطن على أكتافه في ظل واقع مثقل بالمصاعب وضبابية الرؤية ومن هذا المنطلق فإن أي جهد يُبذل في مسار التأهيل والتدريب وتمكين الطاقات الشابة يُعد عملًا وطنيًا بامتياز يُشكر من يخطط له ويُقدَّر من ينفّذه ويُدعم من يسهم فيه ولكن الواقع بكل أسف لا يبدو على ذات النية ولا بنفس الأفق بل صرنا نشهد حالة مكرّرة من تضييع المعنى خلف الصورة ومن توارث الفرص بين الأسماء ذاتها حتى بات التأهيل أشبه ما يكون بمائدة لا يُدعى إليها إلا المقرّبون.

كم هو مؤلم أن نرى مشهدًا لا يتغير وبرامج تدريبية تُطلق بشعارات براقة وعناوين ملهمة ثم ما إن تبدأ حتى نُفاجأ بذات الوجوه ذات الأسماء وذات القصص التي لم تعد تمثّل إلا نفسها، شباب يسجلون ينتظرون يعلقون آمالهم على دعوة أو رسالة ترحيب لكنهم في النهاية لا يجدون سوى الوعود الفارغة لأن المقاعد قد شُغلت مسبقًا والنتائج حُسمت من خلف الستار في بلدٍ يعاني من ضياع الكفاءات وهجرة العقول وتهميش الطاقات كيف نقبل أن تكون فرص التأهيل والتدريب مغلقة أمام من يحتاجها فعلًا كيف نُصدّق أننا نبني مستقبلًا شاملًا في حين أن من يُؤهَّل اليوم هم ذاتهم من تم تأهيلهم مرارًا لا لشيء سوى لأنهم معروفون أو لأنهم قريبون من منظمي البرامج.

لسنا ضد أولئك الذين اجتهدوا وتألقوا لكننا نرفض أن يُختزل المشهد في دائرة ضيقة لا يدخلها إلا من يحمل ختم المعرفة لا معيار الكفاءة وإن أكثر ما يُضعف الثقة في أي مسار وطني هو أن يشعر الشباب وهم عماد هذا الوطن بأنهم غير مرئيين بأن لا أحد يسمعهم وبأن الفرص تمر من أمامهم مرارًا دون أن يُسمح لهم حتى بالاقتراب ولم نعد في زمن يقبل المجاملة ولا في سياق يسمح بتكرار الأخطاء ونحن في مرحلة حرجة من عمر أوطاننا تحتاج إلى ضخّ دماء جديدة إلى تمكين أصحاب الفكر لا أصحاب الظهور إلى خلق مساحات عادلة لا منصات استعراضية.

ما نشهده من استئثارٍ بالفرص التأهيلية هو وجه آخر من أوجه الإقصاء لكنه إقصاء ناعم يُمارَس باسم الترشيحات والتوصيات والخبرات السابقة بينما في الحقيقة هو إقصاء لمن لا يعرف الطريق إلى داخل الحلقة والمفارقة أن من يُحرم من تلك البرامج غالبًا هم أولئك الذين يملكون من الطموح والحلم والقدرة ما يُؤهلهم لقيادة المشهد لا لمجرد الجلوس في مقاعده ومع تكرار هذا النمط لا نخسر فقط شبابًا مبدعين بل نخسر الثقة ذاتها في عدالة المؤسسات ونقتل ببطء الإيمان بفكرة أن الاجتهاد وحده يكفي ليصل الإنسان.

إننا لا نكتب لنسجل موقفًا بل لننبه إلى خطر حقيقي والتأهيل ليس نادٍ مغلق ولا يجب أن يُدار بذات الذهنية التي تُدار بها المناسبات الخاصة بل يجب أن يكون فعلًا عامًا شفافًا عادلًا تُفتح أبوابه للجميع وتُختار أسماؤه بمعايير واضحة لا وفق أذواق من يديرون والعدالة لا تعني أن نستبعد من سبق لكنها تعني أن نتيح الفرصة للجميع دون استثناء وأن نؤمن أن في كل شارع وقرية ومدينة هناك شاب ينتظر فرصته لا ليُصفّق بل ليُضيف لا ليحضر صورة بل ليصنع فرقًا.

ما نريده ببساطة هو أن نرى الوطن في كل برنامج تأهيلي وأن نسمع صوت من لم يُسمع من قبل وأن نُعطي للمواهب المختبئة في الظل فرصة للظهور وأن نُدرك أن التنوع في الأسماء يعني تنوعًا في الأفكار وفي الأساليب وفي الحلول ولا نريد للمشهد أن يظل أسيرًا لذات النمط ولا للفرص أن تُوزع بالمحاباة بل نريد وطنًا يتسع للجميع وبرامج تليق بحلم الشباب وتليق بوطن يُريد النهوض.

نعم نريد تأهيلًا يُنتج قادة لا نُسخًا مكررة ونريد مؤسسات تُراهن على العقول لا على الصور ونريد فرصًا تُبنى على من يستحق لا على من يُعرف ولأننا نؤمن بأن ما نكتبه اليوم قد يكون دافعًا لتصحيح المسار فإننا نقولها بوضوح ما لم نُعد النظر في آلية التأهيل وفي عدالة الاختيار فإننا سنظل ندور في ذات الدائرة وسنخسر أكثر مما نتصور.