بين حُلمِ العودةِ للمنزل و الخوفِ من التهديدات

بين حُلمِ العودةِ للمنزل و الخوفِ من التهديدات

ملاحظة ( جميع الاسماء في القصة مُستعارة) 

في منزلٍ جميل كانت تعيشُ سُعاد مع عائلتها أيامً جميلة لكنها و أُختها الكُبرى خرجتا من منزلِهما ليعيشا في غُرفةٍ صغيرةٍ خشبيةٍ ضيقة لا يصلُها ضوء الشمس بل حرارتهُ في تلك المدينةٍ التي تحترقُ بالشمس . 

كانت سعاد و أختها أمل تعيشانِ مع والدتِهما و إخيهما محمود حياةً هادئة في ذلك المنزل، و يعيش أخوهما المتزوج أحمد في منزلٍ آخر، ثم تزوجَ أخوهما محمود و بقي معهم في ذات المنزل في جانب منفصل ، كان أخاً جيداً سنداً لأخواتهِ و لكن إختلفَ الأمرُ تماماً ؛ فعندما تزوج لم تكن زوجتهُ جيدة بل لم تكن إمرأة عادية؛ أقنعتهُ أن والدتهُ لا تُحبهُ لأنها لم تكتب ملكية منزلها له أو تشتري لهُ منزلاً آخر ، ثم تغير السندُ ليُصبحَ عدواً لأخواتهِ و أمه. 

أما عن والدةِ سعاد فقد كانت مُرهقةً بما يكفي، مُحاولةً توفير كُلَ شيءٍ في ذلك المنزل الذي حملت عبئ توفير كل شيءٍ فيه ، و كما قالت سعاد: " لم يكن منزلاً كبيراً، لكنهُ كانَ عالماً كاملاً لنا بوجود أمي ". 

في إحدى الأيام ذهبت سعاد و أختها مع والدتِها لزيارةِ جدتِهما المريضة، عندما وصلت وجدت جدتها في حالةٍ مُزريةٍ حتى أنها لم تعد تستطيعُ معرفة أحد، شعرت سعاد بالحزن لكنهُ إزداد بعد مرضِ والدتِها بالحُمى، و التي ضنت أنها مُجرد حُمى عادية. 

إشتد المرضُ على والدةِ سعاد، قيدها على الفِراشِ و أثقلَ طاقتها، تقول سعاد: " حاولت إيقاض والدتي لأعطيها الدواء كالعادة لكنها لم تستيقظ أو تتحرك، صرخت بصوتٍ يكفي لإيقاض الجميع لكنها لم تتحرك " ضنت سعاد أن والدتها قد فارقت الحياة تلك اللحضة لكن قلبها كان لازال ينبضُ بالحياة و إن كان ضعيفاً، اتصل أخاها بلإسعافِ و عند وصول سيارة الإسعاف حملها أخاها أحمد مع أحد المُسعفين، لم تفتح عيناها أو تتحرك بل كانت شبه ميته. 

في المشفى اتصل أحمد لأخواته يُخبرهم أن والدتهم لم تمت لكنها دخلت في غيبوبة، علقت الكلماتُ في رأسها لم تكن تعلم أهذهِ بُشرى لعدمِ وفاتها أم أنها نذيرُ شُئم، أرادت سعاد أن تتفائل فحسب أن ترميَّ التشاؤمَ بعيداً، أن ترسمَ مخليةً لوالدتها تعودُ للمنزلِ مُبتسمة. 

حاولت الأختان توفير نقودٍ لكن نقودهما لم تكن تكفي، و لم يساعدهم أحدٌ بإعطائهما المال فخرجت سعاد مع أختها ليبيعا بعض الذهب الذي يملكانه ليغطي تكاليف المشفى حتى تتحسن والدتهما، بقيت والدتهما على تلك الحالة لأيامٍ، كانت تقف سعاد عند باب العناية المركزة في المشفى تدعي لوالدتها بالشفاء، و لم تكن سياسةُ المشفى تسمح بتلك بالزيارات، لكنهم اعطوا للفتاتين بعضَ دقائقَ تكفي ليروا وجهَ والدتهِما النائم. 

 ثم أتى اليوم الذي نُزعت به روحُ والدتِهما النائمة، لتنامَ عنهم للأبد و تتركَ إبنتيها دون أمانٍ وسط ذلك المنزل. 

و في ذات الأسبوع أتى أخوهُما الأكبر أحمد بعرضٍ كان يبدو كما لو أنهُ إهتمامٌ من الأخِ الأكبر، أخبرهما أن يبقيا معه في ذات المنزل ليس بمنزلِ والدتِهما، و سيعرض المنزل للبيع مع الحفاظ على كُلِ ما بداخله، ذلك حتى يشتري لهما منزلاً قريباً منه، صدقت سعاد ذلك ظناً منها أنهُ السندُ الوحيد لها و لأختها و لن يخونهما بأيّ فعل. لكن الأمر كان إتفاقاً بين إخوتها فحسب ليبيعوا المنزل و يشتروا لكُلٍ منها منزلاً بحجة أنهم الأحق بذلك فهم رجالٌ متزوجون و لديهم أطفال. 

ذهب الإخوة لمحاميٍ ليُنجز لهم ذلك الأمر بعد أن أقنعوا سعاد و أختها بأن يوقعا على الأوراق فيما بعد ليتنازلا عن حقهما بحجة أن يبيع المنزل ليشتري غيره ، و لم يعلما بعد أن الخطة كانت لبيعه و شراء منزلان أخرين له و لأخاه محمود ، لكن أحد الجيران عندما علم بلأمر إعترض طريقهما و ذهب لذلك المحامي مُخبراً إياهُ أن لهما أُختانِ و لا يعلمان بلأمر، و انهما لا يملكان مكانً آخر ، أرادَ الأ يسكت عن الحقِ و الأ يكونَ شيطاناً أخرس و كذا أراد المُحامي ذات الأمر فرفض طلبهما بالمساعدة، فبدأت المُشكلةُ تشتعلُ في المنزل، يصرخُ أحمد عليهما بأن يتنازلا عن حقهما قائلاً أن للذكرِ كحظِ الأنثيّين و أنه و أخاه سيأخذان المنزل، و أن عليهما أن يتزوجا أو أن يرميهما على الطريق. 

 و في الجانبِ الأخر زوجةُ أخيهما محمود الذي كان يعيشُ معهما، تُرسل الرسائل المليئة بالشتم و اللعن، بل و تُخبرُهما أنهما يستحقان وفاة والدتِها و أنهما إن عادا للمنزل فيسدخل أخاهما محمود و يتعامل معهما، و أن أخوهما الأخر أحمد سيطردهما من منزلهِ على أي حال، كانتا تعيشانِ وسط تهديداتٍ مُستمرة خائفتان لا أحد معهما، فقررت أُختُ سعاد أن تتصل بأحد المُحامينَ من جيرانِها السابقين، أخبرتهُ بلأمر كاملاً غير أنه كان قد علِمَ مُسبقاً عن أمرهم من ذلك الجار الذي اعترض طريق إخوتها بإيقاف المحامي السابق لهم.

أشتد الأمر فكان أخوهما الكبير أحمد يصرخ عليهما و يهددهما طوال الوقت، و في الجانب الآخر أخوهما محمود الذي دخل منزل والدتهما و أخذ كل ما وجده أمامه ليبيعه . ثم خرج أخوهما الأكبر عن صبره و طردهما من منزله، حاولت سعاد و أمل العودة إلى منزلِهما لكن الرسائلَ كانت مليئة بالتوعدِ و التهديدِ من أخيهما محمود و كذا من زوجته، خافت الفتاتان أن تعودا وحدهما و أن يهجم أخيهما على المنزلِ و يؤذيهما ، فلم يعودا يملكانِ أي شخصٍ لحمايتهما . حاولت الفتاتان التحدث لبعضٍ من الجيران لكنهم اعتذروا عن التدخلِ في الأمر منهم الخائفين و منهم الغير مُبالين . 

ذهبت الفتاتان لمنزل ابنة خالتهما بشكلٍ مؤقت، و بينما كانتا هُناك اتصلت عمتهما اخبرتهما أن لديها غرفةٍ خشبية مغلقة على سطح منزلها و ستتركها لهما إن أرادا البقاء فيها ، لم يكن لديهما خيارٌ آخر غير أن يذهبا لتلك الغرفة المظلمة و يعيدا ترميمها مجدداً، لم تكفي نقودهما فتُرِكَ سقفُ الغُرفةِ بلا ترميم، و عندما تأتي الأيامُ المُعجزةُ بالمطر تبتلُ غُرفتهما فيشعرانِ بالضيقِ تجاه المطر بدلاً عن السعادةِ به. 

اخبرتهما عمتهما أنها ستبقيهما بأمانٍ عندها، و سيعشان معها و لن تسمح لإخوتهما بإيذائهما، بل و ستهتم بهما قد استطاعتها. 

في تلك الأثناء قام أخوهما محمود بتحطيم جدار إحدى غُرف المنزل قائلاً أنها ستكون له، فقام بضم تلك الغرفة للجزء الخاص بمنزله المنفصل، و عند إخبار المحامي ذهب بنفسه لذلك المنزل اغلق بقية الغُرف، ثم اقترح عليهما بإيجار المنزل لحمايته، وافقت الفتاتان و وجدتا فكرة المحامي جيدة، لكن أخاهما محمود افتعل مشكلةً جديدة قائلاً أن المنزل له و لن يتم إيجاره مُطلقاً، وقف المحامي ضده في هذا الأمر مُهدداً إياهُ بالسجن إن إفتعل أي مُشكلةٍ مع المؤجرين داخله أو تهديد أخواته. 

وجد المحامي مؤجرين ليسكنوا داخل المنزل على أن يحتفظوا بما فيه من أغراضٍ منزليةٍ و أغراضِ سعاد و أمل الشخصية، لكن أخوهما لم يتوقف فبدلاً من أن يفتعل مشكلةً ظاهرةً ذهب ليفتعلها دون إظهار وجهه؛ حفر في الأرض و قام بسد حفرةِ الحمام في المنزل و عندما شكت المرأة المؤجرة في المنزل اتصلت بالمحامي لينظر في الأمر فأحضر بعض العاملين ليجدوا أن أحدهم قد حفر في الأرض و وضع الكثير من الأحجار، و عند سؤاله أنكر الأمر، كان الجميع يعلمُ أنه الفاعل لكن لم يستطع أحدهم فعل أي شيءٍ بلا دليلٍ ملموس. 

تقول سعاد بعد تنهيدةٍ مليئةٍ بالذكرياتِ المؤلمة : " استغربُ حقاً من تصرفاتِ إخواتي الذين أحببتهم و ظننتهم سنداً لي و لأختي، بعد أن ساعدناهم قبل زواجهم و فعلنا من أجلهم ما استطعنا، و الأن بعد أن نحنُ في أشدِ الحاجةِ لهم، لم يخذلونا بصمتهم فحسب بل أظهروا انيابهم و كأننا عدواتُهُم، و كأننا لم نكن يوماً إخوةً اعتزوا ببعضهم ".

تعيشُ الأن سعاد مع أختها أمل في تلك الغرفةِ الخشبيةِ الصغيرة، مُجردُ مروحةِ تتحركُ على السقفِ المليئِ بالثقوب دون أي مُكيفٍ وسط ذلك الحرِ الشديد في مدينة عدن ، تقول سعاد بابتسامةٍ حزينة، و عينانِ تكادانِ أن يُمطرا : " نشعر بلإمتنان لعمتِنا التي سمحت لنا بالعيش في هذه الغرفةِ على سطح منزلها ، لكننا نعلم أننا ثقيلتان عليها و على زوجها، و إن لم تتحدث عمتي عن ذلك لكننا نشعرُ به، نشعرُ أننا نضيف مسؤليةً أكبر لها، نتمنى أن نعودَ لمنزلنا القديمِ بأمان، دون تهديداتٍ من إخوتي و دون الخوفِ من اقتحامهم للمنزل و نحن فيه، ما نتمناه أن نعيش حقاً دون الشعورِ بالخوف و التهديد، و دون شعورٍ بأننا ثقيلتان على أحد، لكننا مُجردُ فتاتانِ لا حولٌ لهما و لا قوة، و السندُ أصبح عدواً و ها نحنُ مُشردتانِ بين الخوف و الإستحياءِ من أننا مُجردّ عبئٍ ثقيل .