الرقائق الإلكترونية.. نفط العصر الرقمي وساحة الصراع بين واشنطن وبكين

متابعات
محور بلس
لم تعد الرقائق الإلكترونية مجرّد مكوّنات صغيرة داخل أجهزتنا، بل تحوّلت إلى المحرّك الأساسي للاقتصاد الرقمي العالمي، وإلى ساحة تنافس شرس بين القوى الاقتصادية الكبرى. فهذه الشرائح الدقيقة التي تُصنّع من السيليكون باتت أشبه بـ”نفط جديد” يحدد مستقبل الصناعات، من الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، وصولاً إلى السيارات الذكية والطائرات المسيّرة.
لماذا الرقائق مهمة؟
الرقائق هي العقل المدبر لكل الأجهزة الحديثة. فهي تخزّن البيانات عبر رقائق الذاكرة، وتشغّل البرامج عبر رقائق المنطق الأكثر تعقيداً. حتى ضغطة زر في سيارتك تحتاج إلى شريحة صغيرة لتحويلها إلى إشارة كهربائية. ومع صعود الذكاء الاصطناعي التوليدي، أصبح الوصول إلى مسرّعات مثل H100 من إنفيديا مسألة تتجاوز حدود التجارة إلى الأمن القومي.
سباق السيطرة: أميركا ضد الصين
• في واشنطن، فرضت إدارتا بايدنوترمبقيوداً مشددة على وصول بكين إلى الشرائح المتقدمة، بل استحوذت الإدارة الأميركية على حصة في شركة إنتللإنقاذها وتحويلها إلى “بطل قومي” قادر على منافسة عمالقة آسيا.
• في المقابل، تكثّف الصين استثماراتها لتطوير بدائل محلية، وضغطت على شركاتها لإنتاج معالجات ذكاء اصطناعي تضاهي منتجات إنفيديا، رغم العقوبات التي أعاقت تقدّمها.
من يملك ناصية التصنيع؟
صناعة الرقائق متقدمة الكلفة إلى حد مذهل: بناء مصنع واحد يتجاوز 20 مليار دولار ويستغرق سنوات، ما جعلها صناعة حصرية لا تملكها سوى ثلاث شركات كبرى:
• تي إس إم سي (تايوان)
• سامسونغ (كوريا الجنوبية)
• إنتل (الولايات المتحدة)
في المقابل، تتصدّر شركات مثل تكساس إنسترومنتس وإس تي مايكروإلكترونيكس إنتاج الرقائق التماثلية (Analog Chips) التي تتحكم بالطاقة والحرارة داخل الأجهزة.
اللاعبون الجدد يدخلون السباق
الاتحاد الأوروبي خصص أكثر من 100 مليار دولار لاستعادة موطئ قدمه في الصناعة. اليابان وكوريا تضخان مليارات إضافية، بينما أعلنت الهند عن مشاريع عملاقة بقيادة مجموعة “تاتا”. حتى السعودية تدرس دخول القطاع عبر استثمارات صندوق الاستثمارات العامة، في إطار رؤيتها لتنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط.
الخطر الأكبر: تايوان
يبقى شبح النزاع حول تايوان أكبر تهديد لإمدادات الرقائق في العالم. فهذه الجزيرة الصغيرة هي مقر تي إس إم سي، الشركة التي تُعد القلب النابض لصناعة أشباه الموصلات. وأي صراع عسكري هناك قد يشلّ الاقتصاد الرقمي العالمي.
الخلاصة
الرقائق الإلكترونية لم تعد مجرّد مكونات تقنية، بل صارت سلاحاً استراتيجياً يحدد موازين القوى بين الدول. ومع تصاعد سباق الاستثمار والقيود، يبدو أن السيطرة على “نفط العصر الرقمي” ستكون أحد أبرز ملامح الصراع الاقتصادي العالمي في السنوات المقبلة.