جيل الشاشات.. عندما تتحول الإضاءة الزرقاء إلى خطرٍ صامت يهدد الطفولة
 
                                خاص
محور بلس
يعيش جيل اليوم من الأطفال والمراهقين في عالمٍ لا تفارقه الإضاءة الزرقاء. فالشاشات الصغيرة أصبحت جزءاً من تفاصيل الحياة اليومية، من التعليم إلى الترفيه، حتى تحولت إلى الرفيق الدائم في كل لحظة يقظة. غير أن هذا الارتباط الوثيق بالتكنولوجيا بات يُقلق علماء النفس، الذين يحذرون من آثارٍ نفسية عميقة قد لا تظهر الآن، لكنها تتفاقم مع مرور السنوات.
أرقام تكشف حجم الظاهرة
تقرير حديث صادر عام 2025 عن منظمة “كومون سينس ميديا” الأميركية كشف أن نحو 40% من الأطفال في سن الثانية يمتلكون أجهزة لوحية خاصة بهم، فيما تتراوح نسبة المراهقين الذين يمتلكون هواتف ذكية بين 88% و95%.
أما في المدارس، فقد أصبح التعلم الرقمي واقعاً لا مفر منه، إذ يستخدم أكثر من 50 مليون طالب ومعلم حول العالم أجهزة Chromebook التابعة لغوغل.
 
التكنولوجيا والقلق النفسي.. علاقة مقلقة
الباحث الأميركي جوناثان هايدت، أستاذ علم النفس الاجتماعي في جامعة نيويورك، يرى أن هذا الانغماس الرقمي المتسارع يرتبط بشكل مباشر بارتفاع معدلات القلق والاكتئاب بين الشباب.
وفي كتابه الشهير “الجيل القلق” (The Anxious Generation)، يربط هايدت بين الإفراط في استخدام الأجهزة الذكية منذ الطفولة واضطراب الصحة النفسية لاحقاً، مشيراً إلى أن “جميع هذه الأجهزة مصممة لإبقاء الأطفال مستمتعين ومعلقين بالشاشة لأطول فترة ممكنة”.
ووفقاً لتصريحاته لموقع CNBC، فإن متوسط وقت الشاشة اليومي لدى المراهقين يتراوح بين 8 و10 ساعات، باستثناء ساعات الدراسة.
القاعدة الأولى: لا أجهزة في غرف النوم
هايدت يضع مجموعة من القواعد التي يصفها بأنها “الحد الأدنى لحماية الطفولة من فوضى الشاشات”، أولها منع أي جهاز إلكتروني داخل غرف النوم.
ويقول: “عندما يمتلك الطفل جهازاً بشاشة لمس في غرفته، تبدأ المشكلات. يقضي ساعات طويلة على مواقع التواصل أو يشاهد محتوى غير مناسب بعيداً عن أعين الأهل”.
ويصف الوضع الحالي بأنه فوضى رقمية، ضارباً مثلاً بانتشار مقاطع صادمة خلال دقائق، دون قدرة حقيقية على السيطرة عليها.
القاعدة الثانية: لا هاتف ذكياً قبل الثانوية
ويرى هايدت أن الأطفال لا ينبغي أن يحصلوا على هاتف ذكي قبل المرحلة الثانوية، مستشهداً ببحث عالمي أجرته مؤسسة Sabine Labs شمل 28 ألف شاب، خلص إلى أن الصحة العقلية تتحسن كلما تأخر عمر أول امتلاك للهاتف الذكي أو الجهاز اللوحي.
تكنولوجيا بضوابط أسرية
ورغم موقفه الصارم، يبدي هايدت شيئاً من المرونة الواقعية، قائلاً: “لا يمكننا منع التكنولوجيا تماماً، لكن يمكننا تنظيمها بذكاء.”
ويقترح أن تُستخدم الأجهزة الرقمية في أماكن مشتركة داخل المنزل مثل غرفة المعيشة أو المطبخ، بحيث يكون الاستخدام مراقباً ومحدود الوقت.
 
ويضيف: “يمكن أن نضع صندوقاً مخصصاً للأجهزة في المطبخ، يعود إليه الطفل بعد كل جلسة استخدام”.
الخلاصة: توازن لا عزلة
هايدت لا يدعو إلى عزل الأطفال عن التكنولوجيا، بل إلى خلق توازن صحي بين العالم الواقعي والافتراضي. ويختتم حديثه قائلاً:
“إذا أردنا لأطفالنا أن ينموا بشكل صحي، فعلينا أن نعيد التفكير جذرياً في البيئة التكنولوجية التي نضعهم فيها.”
رسالة محور بلس
جيل اليوم لا يحتاج إلى منع التكنولوجيا، بل إلى وعيٍ جديد في استخدامها. فالشاشة ليست العدو، لكن الإفراط في التحديق فيها قد يسرق من أطفالنا أجمل ما في طفولتهم.. الخيال، اللعب، والهدوء النفسي.





 
    
    
                                 
    
    
                                 
    
    
                                 
    
    
                                 
    
    
 
    
    
 
    
    
 
    
    
 
    
    
 
    
    
 
    
    
