وجوه تسقط عند باب الحاجة حين يزاحم الشبعانُ جائعاً في رزقه

وجوه تسقط عند باب الحاجة حين يزاحم الشبعانُ جائعاً في رزقه

بقلم / ملوك نبيل فرتوت

من قلب الميدان ومن أحياء كثيرة نزلت إليها خلال عملي كنت أظن أن أصعب ما سأواجهه هو بيوت الفقر وحدها.

لكن الحقيقة كانت أعمق وأوجع.

فالفقر الحقيقي لم أجده في البيوت المهدّمة بل في النفوس التي تخلّت عن الحياء.

في كل نزول رأيت الفئات الأشد ضعفاً… أناساً بسطاء بيوتاً مبنية من الرمل وأسقفاً متشققة وأسراً لا تعرف ماذا ستأكل غداً.

ورغم كل هذا كانوا يخفون وجعهم بابتسامة ويقولون:

(الحمد لله في ناس اشد منا فقراً.)

لكن الصدمة لم تأتي من هؤلاء

بل من الفئة التي كنا نظنّها راقية.

يأتون بثياب فاخرة ورواتب مستقرة وممتلكات كبيرة:

عمائر مزوّدة بالأسنصيرات ورش، محلات، سوبر ماركت، مزارع، وسيارات. 

كل ما يدلّ على أنهم بعيدون كلياً عن الحاجة.

ومع ذلك

يقفون أمامنا بوجوه ثابتة وكلمات محفوظة، ويقولون:

(الله يعلم بحالنا.. ما معنا حق الغداء.)

مع أنهم يملكون ما يكفيهم ويكفي غيرهم.

أحدهم يمتلك أكثر من عمارة وعدة بيوت ومحلات ومعامل ومطاعم

ومع ذلك يُصرّ على التسجيل كفقير.

لا يخاف من الله ولا يحترم صورته أمام الناس ولا يخجل من جاره الذي يعرف تماماً ما يملك.

أي ذنب ارتكبه الفقير حتى يُسلب حقه؟

وأي قلب يحمل الغني حين يتجرأ على رزق غيره؟

وفي المقابل

دخلت بيوتاً متواضعة أسراً بسيطة يظهر وضعها من ملامحهم وبيوتهم ولباسهم

ومع ذلك يقولون بكل رضا:

(إحنا قادرين ناكل ونشرب سجّلوا الناس التعبانة أكثر.)

هؤلاء هم الأغنى في أخلاقهم

والأرقى في إنسانيتهم

ولو عاشوا في أبسط البيوت

النعمة لا تدوم لمن يكذب

والرزق لا يُبارك لمن يأخذ حق غيره

فاتقوا الله

فالأيام دُول والأحوال تتبدل والرجوع إلى الحق خيرٌ من الظلم.