بين الظل والضوء حين يُهمَّش الأكفاء ويُكافأ الفاسدون

بين الظل والضوء حين يُهمَّش الأكفاء ويُكافأ الفاسدون

محور بلس|| مقالات:

كتب / خميس عبدالله 

في قلب وطنٍ عزيزٍ على قلوبنا جميعًا نجد أنفسنا في مفارقة مؤلمة لا تُشبه سوى المآسي التي تسكن الكتب القديمة، بلادٌ تمتلك من الثروات ما يغنيها ومن العقول ما يكفي لصنع مستقبل زاهر ومن الطاقات الشابة ما يُحرك الجبال لكنها لا تزال رهينة لسياسات التهميش، ودوائر الفساد، والتقليد الأعمى.

اليوم نكتب لا لنبكي على الأطلال بل لنضع إصبع الحقيقة على موطن الجُرح فكم من خريجٍ متفوق أقصى طموحه أن يحصل على وظيفة تليق بتعبه وسهر الليالي، وكم من مهنيٍّ بارع أقصي من المؤسسات لمجرد أنه لا يمتلك واسطة أو انتماء حزبيًا وكم من أصحاب الكفاءات جلسوا على مقاعد الانتظار بينما صعد من لا يستحق وتسلق من لا يعرف من المسؤولية سوى اسمها.

إنها معادلة مقلوبة، من لا يملك مؤهلاً يُمنح منصبًا، ومن يملك الشهادات والخبرة يُركن في الزاوية، من يجيد الولاء الأعمى يُقرّب، ومن يتمسك بالمبادئ يُقصى، من يرفع صوته للحق يُشيطن ومن يصفق يُكرم.

ليست المشكلة فقط في غياب العدالة بل في أن الظلم أصبح عرفًا والتهميش بات سياسة غير مكتوبة تُنفّذ كل يوم بصمت والمؤلم أكثر أن من يعترض يُتهم بالخيانة وكأن الولاء للوطن يعني الصمت على كل ما يُهدر كرامتنا ويخنق طموحاتنا.

لقد أصبحت بعض المؤسسات الحكومية والقطاعات الحيوية مرتعًا للمحسوبية لا يُسأل عن الكفاءة، بل يُسأل "مَن خلفك؟ ومن يدعمك؟ ولأي تيار تنتمي؟"

وكأن الوطن لم يعُد يكترث بعقول أبنائه وكأن الشهادة لم تعد سوى ورقة تعلق على الجدران لا تعني شيئًا في ميزان الفرص.

نحن لا نحمل ضغينة ضد أحد ولكننا نحمل وجعًا عميقًا لأننا نعلم جيدًا أن أبناء هذا الوطن قادرون على التغيير فقط لو أُعطوا الفرصة والكفاءة ليست حلمًا بل حق والعدل ليس ترفًا بل واجب.

إننا بحاجة اليوم إلى مراجعة شاملة إلى وقفة ضمير وقرار شجاع من كل من يحمل مسؤولية في هذا الوطن، نريد دولة لا تُقصي أحدًا بسبب اختلافه لا تُكافئ الجهل ولا تُمجّد الفساد نريد وطنًا يرفع من يستحق لا من يُجامل.

ورغم كل ما نراه ونعيشه إلا أن اليأس ليس خيارنا لأن الأوطان التي تُصاب بالخذلان لا تموت بل تنادي أبناءها في لحظة الصدق.

نعم ما زال فينا الأمل، وعندما تعود بلادنا الجميلة إلى الأحسن وعندما تنتصر على التهميش والفساد وعندما تُدرك حاجتها إلى كل ابنٍ مخلصٍ عمل بصمت وانتظر طويلاً سنكون نحن أول الواصلين إليها.

سنعود لا لنأخذ بل لنعطي، سنعود لا لنطالب بل لنبني، سنعود لنكتب تاريخًا جديدًا عنوانه "هنا الوطن، حيث يُقدَّر الإنسان بما يحمل من فكر، لا بمن يعرف من أشخاص."