موجة بيع تاريخية تضرب بتكوين: هل تنفد قوة السوق أم أنها مجرد إعادة تموضع للحيتان الكبرى؟
محور بلس/ متابعات
تواجه سوق العملات المشفرة واحدة من أكثر لحظاتها ارتباكاً منذ انهيار أكتوبر الماضي. فبعد أشهر من صعود متتالٍ أوصل بيتكوين إلى مستويات قياسية جديدة، جاءت موجة بيع هائلة من كبار المستثمرين لتدفع العملة الأكبر في العالم دون مستوى 100 ألف دولار للمرة الأولى منذ يونيو حسب تتبُّع “بقش” للبيانات.
التراجع لم يكن صدمة حادة كما حدث سابقاً، لكنه أعمق وأثقل، لأنه ناتج من قرار واعٍ من “الحيتان” وليس بسبب تصفية قسرية للمراكز كما اعتادت السوق.
هذا التحول في ديناميات السوق يعكس فترة جديدة يختلف فيها سلوك اللاعبين الرئيسيين: قدامى المستثمرين الذين راكموا العملة على مدى أشهر بدأوا في جني الأرباح بكميات ضخمة، بينما المستثمرون الجدد لم يظهروا القوة الكافية لامتصاص المعروض.
ومع كل تراجع يومي، تتصاعد مخاوف أن يكون السوق أمام دورة تصحيح طويلة تشمل خروج رؤوس أموال “ذكية” كانت تراهن على استمرار الاتجاه الصاعد بلا توقف.
أكثر ما يقلق الآن هو أن هذه الموجة لا ترتبط بأخبار صادمة أو تغييرات تنظيمية مفاجئة. إنها ببساطة مرحلة تراجع ثقة تدريجية، تتخللها إشارات واضحة على أن الشهية المؤسسية تراجعت، وأن المتداولين بدأوا يتركون الساحة لحين استقرار الصورة. ورغم أن الحركة تبدو منضبطة حتى اللحظة، إلا أن ما يجري يترك أبواباً مفتوحة لسؤال واحد: هل خسر السوق زخم الصعود الكبير؟ أم أنها استراحة تكتيكية قبل موجة جديدة؟
في زمن كانت فيه تقلبات العملات الرقمية تُعامل كظاهرة قصيرة العمر، تبدو هذه المرة مختلفة. هبوط منظّم، تَخَلٍّ محسوب، وفجوة ثقة تحتاج وقتاً لسدّها. ما يحدث لا يشبه انفجار فقاعة، لكنه يشبه كثيراً ما حدث في دورات تصحيح سابقة انتهت بفصل قاسٍ بين مضاربي القمة ومستثمري الأساس.
حيتان بتكوين تفرّغ 45 مليار دولار من المحافظ
على مدار الشهر الماضي، باع المستثمرون القدامى نحو 400 ألف وحدة بتكوين، بقيمة تقارب 45 مليار دولار. الرقم وحده كفيل بتغيير اتجاهات سوق كاملة، وهو ما حدث بالفعل.
بحسب تحليل “10x Research”، فإن هذه المبيعات جاءت من كيانات تمتلك احتياطيات كبيرة، بعضها صمد أكثر من ستة أشهر قبل أن يبدأ جني الأرباح.
هذه المبيعات لم تكن اندفاعاً عاطفياً بالسوق، بل عمليات مدروسة ومتدرجة في السوق الفورية، ما جعل تأثيرها ممتداً وليس لحظياً.
ومع كل دفعة بيع جديدة، تزداد الضغوط النفسية على السوق، ويصبح المشترون أكثر حذراً تجاه التقاط القاع. ذلك يعزز احتمالات استمرار الوضع الراهن لفترة أطول من المتوقع.
ما يثير القلق أكثر هو أن هذه المبيعات جاءت في وقت لم يحدث فيه أي ضغط تنظيمي كبير أو انهيار مؤسسي جديد. هذه المرة، مصدر الهبوط هو رغبة كبار المستثمرين في تقليص تعرضهم، وليس نتيجة خوف من أحداث خارجية. هذا النوع من البيع عادةً ما يقود إلى إعادة توازن طويلة في السوق وليس مجرد تصحيح عابر.
وبينما حدثت عمليات تصفية قسرية لمراكز بنحو ملياري دولار فقط خلال 24 ساعة، تبدو الأرقام ضئيلة مقارنة بتصفية 19 مليار دولار خلال انهيار أكتوبر وفق مراجعة بقش، لكنه فارق مهم: بيع إرادي من جانب أصحاب القوة هو ما يقود السوق اليوم.
تراجع الطلب المؤسسي وغياب الشراء الكبير
في وقت كانت فيه المؤسسات تتحرك بسرعة خلال صعود الصيف، فإن الأسابيع الأخيرة أظهرت فتوراً واضحاً لدى اللاعبين المؤسسيين. الطلب العريض الذي اعتاد السوق رؤيته لم يظهر، والكيانات التي تمتلك ما بين 100 و1000 بتكوين تباطأت في وتيرة التراكم.
هذا الانكماش في شهية الشراء يعكس تغيراً حقيقياً في المزاج العام. فبعد أن كان يُنظر إلى كل تراجع على أنه فرصة ذهبية، باتت الحركة الحالية تُقابل بشك أكبر وانتظار أطول حسب قراءة بقش. المحللون يرون أن المستثمرين أصبحوا أكثر انتقائية، خصوصاً في ظل غموض السياسات النقدية العالمية ومخاوف من تشديد تنظيمي أمريكي محتمل في الأشهر المقبلة.
من جانب آخر، تُعتبر رهانات الخيارات مؤشراً متقدماً لحركة المتداولين المحترفين. وتشير أحدث البيانات التي تتبَّعها بقش إلى تمركز عقود بيع عند مستوى 80 ألف دولار، ما يعني أن عدداً من المتداولين المحترفين يراهنون على مزيد من الانخفاض قبل أي ارتداد حقيقي.
هذا السلوك يوحي بأن جزءاً من السوق يرى أن الحركة الحالية ليست نهاية التصحيح، بل جزء من منحنى أعمق يحتاج وقتاً وعوامل ثقة جديدة لإعادة الزخم.
استراحة طويلة أم بداية لمسار هابط ممتد؟
رغم هذه الضغوط، الإجماع ليس على انهيار كامل، بل على احتمالية دخول السوق مرحلة “تنفس طويل”. محللو السوق مثل ماركوس ثيلين يتوقعون أن تمتد موجة البيع حتى الربيع المقبل، استناداً إلى أن دورة 2021-2022 شهدت بيع مليون بتكوين خلال نحو عام كامل.
السيناريو الأقرب حالياً هو فترة تذبذب حول مستويات أقل من الذروة، مع احتمالات هبوط تدريجي نحو 85 ألف دولار كقاع مستهدف قبل العودة للاستقرار. هذا النوع من الحركة لا يخرج السوق من مسارها طويل المدى، لكنه يعيد ترتيب اللاعبين داخلها ويُصفّي مراكز المضاربة الزائدة.
ومع اختفاء ضغط الرافعة المالية حالياً، تبدو السوق قادرة على امتصاص الهزات بشكل أكثر نضجاً مما حدث قبل عام. ومع ذلك، يبقى عاملاً حاسماً: هل يعود الطلب المؤسسي؟ إذا بقي فاتراً، ستطول فترة الاستقرار السلبي. أما إذا دخلت صناديق جديدة بقوة، فإعادة التسعير قد تحصل بوتيرة أسرع مما يتوقعه كثيرون.
واحدة من الميزات التي حافظت عليها بتكوين عبر الدورات السابقة هي قدرتها على استعادة الثقة بعد الفترات الضعيفة، لكن هذه القدرة ليست تلقائية. تحتاج محفزات، سواء تنظيم واضح، أو طلب مؤسسي قوي، أو تحولات جيوسياسية تعيد النظر في دور الأصول البديلة."




