تمرد مالي في المهرة..الحكومة أمام أول تحدٍّ للإصلاحات الاقتصادية
محور بلس - بقش
رفضت السلطة المحلية في محافظة المهرة تنفيذ القرار الرئاسي رقم (11) لعام 2025 القاضي بتوريد الإيرادات إلى بنك عدن المركزي وعدم تدخل المحافظين في شؤون المنافذ، وأصدرت توجيهات جديدة بتوريد ضريبة المبيعات، وحافز التحصل بنسبة (1%)، وإيرادات صندوق المعاقين، إضافة إلى نسبة 70% من الرسوم الجمركية وضريبة الأرباح التجارية إلى حسابات المحافظة المحلية وفق متابعة مرصد “بقش”، متجاهلةً قرارات الحكومة المركزية.
هذه الخطوة اعتُبرت سابقة خطيرة وأعادت إلى الواجهة الجدل حول ازدواجية القرار المالي بين المركز والمحافظات، في وقت تسعى فيه الحكومة لتوحيد القنوات الإيرادية ضمن خطة الإصلاحات الاقتصادية الشاملة.
ونُشر أمس السبت عن إصدار السلطة المحلية بالمهرة توجيهات بتحصيل إيرادات منفذ شحن البري وتحويلها إلى حساب السلطة المحلية، في خطوة وُصفت بأنها تمرد مباشر على قرارات الحكومة. حيث تم تشكيل لجنة ميدانية لإجبار إدارة المنفذ على توريد الإيرادات إلى حساب المحافظة، مع تهديد موظفي المنفذ والجمارك بالفصل والإقصاء في حال عدم تنفيذ الأوامر، ما اعتبرته الجهات المركزية تعدياً على صلاحيات مصلحة الجمارك ووزارة المالية.
ورفعت إدارة منفذ الشحن مذكرة عاجلة إلى مصلحة الجمارك تشكو فيها من فوضى إدارية وتهديدات باستخدام القوة، فيما وجهت المصلحة بدورها مذكرات رسمية إلى الحكومة طالبةً التدخل العاجل.
رئيس الحكومة يشكو محافظ المهرة
رئيس وزراء حكومة عدن، سالم صالح بن بريك، رفع بدوره مذكرة رسمية إلى رئيس وأعضاء المجلس الرئاسي، عبّر فيها عن رفضه القاطع لتصرفات محافظ المهرة، محمد علي ياسر، وأوضح بن بريك في مذكرته التي اطلع عليها بقش أن محافظ المهرة امتنع عن تنفيذ القرار الرئاسي وتدخَّل بشكل مباشر في أعمال المنافذ الجمركية، بما فيها جمركا شحن وصرفيت، وهو تجاوُز للصلاحيات القانونية.
أشار بن بريك إلى أن السلطة المحلية في المهرة، ممثلة بالمحافظ ووكلائه وعدد من مديري المكاتب التنفيذية، منعت موظفي الجمارك من توريد الإيرادات إلى الحسابات الحكومية المعتمدة لدى البنك المركزي، وهددتهم بالسجن والطرد واستبدالهم بطواقم بديلة في حال عدم الامتثال لتوجيهات السلطة المحلية.
كما بيّنت المذكرة أن لجنة محلية تابعة للمحافظة نزلت ميدانياً إلى المنافذ الجمركية وأشرفت على عمليات توريد مخالفة للقانون، في تحدٍ واضح للتوجيهات العليا وقرارات مجلس القيادة. واعتبرت الحكومة ذلك انتهاكاً جسيمًا للقوانين المالية وتعدياً على صلاحيات مصلحة الجمارك، وتقويضاً لجهود الدولة في تنفيذ برنامج الإصلاحات الاقتصادية والإدارية.
وأكدت المذكرة أن استمرار هذه التصرفات يشكل سابقة خطيرة تهدد وحدة النظام المالي والإيرادي للدولة، وتضعف ثقة الشركاء المحليين والدوليين في مسار الإصلاحات. وطالب بن بريك المجلس الرئاسي بالتدخل العاجل والحازم لضمان الالتزام الكامل بالتوجيهات العليا وتوريد كافة الموارد إلى الحسابات الحكومية الرسمية.
واختتمت بن بريك مذكرته بتحذير صريح، إذ حمّل السلطة المحلية في المهرة المسؤولية الكاملة عن أي تبعات قانونية أو مالية قد تترتب على استمرار هذه المخالفات، معلناً إخلاء مسؤولية الحكومة عن آثارها.
وُجّهت انتقادات لرئيس الحكومة بسبب ضعف موقفه، فبدلاً من أن يطالب بإقالة محافظ المهرة طالب بالتدخل العاجل والصارم، وفقاً لناشطين.
في تعليق تحليلي نشره الصحفي ماجد الداعري، رئيس تحرير صحيفة مراقبون برس، قال إن مذكرة رئيس الوزراء إلى مجلس القيادة كشفت عن تمرد صريح من قِبل محافظ المهرة ووكلائه ومسؤوليها، ورفضهم الالتزام بقرارات المجلس الرئاسي، والتقيد بأولوية الإصلاحات الاقتصادية التي تلزم بتوريد كافة موارد الدولة إلى البنك المركزي اليمني.
وانتقد الداعري ختام مذكرة رئيس الوزراء التي اكتفى فيها بمطالبة المجلس الرئاسي بتوجيه محافظ المهرة بالتقيد بقرار المجلس رقم 11 لسنة 2025، بدلاً من الدعوة لإقالته أو التحقيق معه، معتبراً ذلك تساهلاً خطيراً تجاه سابقة التمرد على الدولة المركزية.
وأشار وفق اطلاع بقش إلى أن إعلان الحكومة إخلاء مسؤوليتها عن تبعات هذه المخالفات يعكس ضعفها في فرض سلطتها المركزية على المحافظات، وتساءل عن جدوى الإصلاحات الاقتصادية إذا كانت الحكومة نفسها عاجزة عن تطبيق قراراتها.
وتُطرح حالياً تساؤلات من قبيل: هل سيُقال محافظ المهرة أم تُعلن الدولة عجزها؟ الداعري اعتبر أن عدم إقالة المحافظ سيعني أن شرعية المجلس الرئاسي على المحك، وأن قراراته “لا قيمة لها على أرض الواقع”، مشيراً إلى أن الإصلاحات الاقتصادية ستتعثر وأن الأوضاع مرشحة لمزيد من التأزم وغياب المرتبات والخدمات لأشهر وربما سنوات قادمة.
ووصف الموقف الراهن بأنه “إعلان رسمي لاستسلام الدولة للفشل والعجز في مواجهة تمرد السلطات المحلية”، وسط حالة من “الفراغ القيادي والعجز الحكومي”.
بين مركز ضعيف ومحافظات متمردة
أزمة إيرادات المهرة تأتي في سياق أوسع يعكس هشاشة السلطة المركزية وتنامي نفوذ السلطات المحلية في المحافظات، مستفيدة من الانقسام السياسي والتدهور الاقتصادي.
وباتت الأزمة تشكل اختباراً لقدرة الحكومة على تنفيذ برنامج الإصلاحات الاقتصادية الذي أطلقته في وقت سابق من هذا العام بدعم واشتراطات من الشركاء الدوليين.
وفي غضون ما بات يوصف بالتمرد المحلي على القرارات المركزية، يحذر مراقبون من أن استمرار ازدواجية القرار المالي بين المركز والمحافظات سيقوّض الجهود الرامية إلى استعادة الثقة الدولية بالنظام المالي اليمني، ويهدد بانهيار ما تبقى من مؤسسات الدولة.
كما أن صمت المجلس الرئاسي أو تردده في حسم الملف سيُعد سابقة تشجع محافظات أخرى على انتهاج المسار ذاته، ما قد يؤدي إلى تفكك البنية الإدارية للدولة. وبينما تتصاعد الخلافات بين الحكومة والسلطات المحلية، يبدو أن التمرد المالي أصبح مؤشراً على أزمة حكم شاملة تهدد الدولة المركزية نفسها."




