منع الهواتف واقتحام الذكاء الاصطناعي.. التعليم الحديث بين التحدي والتحول الذكي

منع الهواتف واقتحام الذكاء الاصطناعي.. التعليم الحديث بين التحدي والتحول الذكي

خاص

محور بلس

في وقتٍ تتسارع فيه وتيرة التغيير داخل الفصول الدراسية حول العالم، تعيد الأنظمة التعليمية صياغة علاقتها بالتكنولوجيا، فتارة تمنع الهواتف الذكية، وتارة أخرى تُرحّب بالذكاء الاصطناعي كمساعد رقمي جديد. وبين المنع والاعتماد، تتشكل ملامح مستقبل تعليمي مختلف، تُرسم ملامحه على لوحٍ ذكيّ لا ورقيّ.

الهواتف إلى الخارج.. التركيز إلى الداخل

تشهد العديد من الدول، أبرزها كندا ودول أوروبية أخرى، موجة قرارات حازمة بمنع استخدام الهواتف الذكية داخل الصفوف. وفي الولايات المتحدة، يتصاعد الجدل ليصل إلى قبة الكونغرس، مع مطالبات بحظر وطني لاستخدام الهواتف في المدارس.

الهدف من هذه السياسات ليس الانفصال عن الواقع الرقمي، بل حماية التركيز الذهني للطلاب، وتقليل الضغط النفسي الناتج عن الاستخدام المفرط للتطبيقات والمنصات الاجتماعية.

فقد أبلغ كثير من المعلمين عن تراجع في تفاعل الطلاب داخل الصف منذ عام 2019، وأصبحت الهواتف محور الشكاوى اليومية. وهنا، لا يأتي الحظر كعقوبة، بل كخطوة لإعادة ضبط العلاقة مع التقنية داخل المدرسة.

الشاشات باقية.. ولكن بشكل آخر

منع الهواتف لا يعني منع الشاشات؛ فالتعليم الحديث لا ينفصل عن الأجهزة اللوحية والحواسيب المحمولة، التي باتت أدوات أساسية للبحث وتقديم الواجبات وحتى متابعة الحصص.

لكن هذه الوسائل، رغم فائدتها، لا تخلو من تحديات، إذ إن الإنترنت المفتوح يمثل إغراء دائماً للطلاب، والمعلمون في صراع مستمر بين توجيه التقنية وضبطها.

وتُظهر الإحصائيات أن أكثر من نصف المعلمين الجدد يفتقرون إلى التدريب اللازم لاستخدام التكنولوجيا التعليمية بفعالية، وهو ما يُعرقل استثمارها الكامل في العملية التربوية.

الذكاء الاصطناعي يدخل الفصل.. ولا يغادر

في المقابل، بدأ الذكاء الاصطناعي يفرض نفسه كلاعب رئيسي في ساحة التعليم، حيث يستخدمه نحو 62% من المعلمين في الولايات المتحدة، و60% في المملكة المتحدة، لتنظيم الدروس، وتصحيح الواجبات، وتقديم التغذية الراجعة.

منصات مثل MagicSchool ظهرت لتكون بمثابة “مساعد ذكي” للمعلمين، توفّر لهم الوقت، وتدعمهم بخطط دراسية مخصصة، وأساليب فعالة للتعامل مع السلوكيات الطلابية، وحتى إعداد اختبارات مخصصة للطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة.

كما طورت شركات مثل ManagedMethods أدوات تُتيح للمعلم مراقبة استخدام الطلاب للتكنولوجيا داخل الصف، والتنبيه إلى السلوكيات الخطرة، أو تعليق الوصول الرقمي مؤقتاً، بما يعزز بيئة تعليمية أكثر أماناً وفعالية.

تعليم الذكاء الاصطناعي.. من المهارة إلى الحاجة

الرؤية الاستراتيجية للتعليم لم تعد تقتصر على استخدام الذكاء الاصطناعي، بل تتجه نحو تعليمه كمهارة مستقبلية.

في كندا والولايات المتحدة، بدأت مبادرات لإدخال تعليم الذكاء الاصطناعي إلى المناهج، لتحضير الطلاب لسوق العمل الرقمي القادم.

حتى أن الرئيس الأميركي الأسبق، دونالد ترامب، وقّع أمراً تنفيذياً يجعل من تعليم الذكاء الاصطناعي “أولوية وطنية”، في خطوة تعكس تحولاً كبيراً في فهم مستقبل التعليم.

لكن رغم الحماس، ظهرت أصوات تحذيرية، أبرزها من الاتحاد الكندي للمعلمين، الذي طالب بوضع ضوابط صارمة لحماية بيانات الطلاب والتعامل مع القضايا الأخلاقية المرتبطة بالتكنولوجيا.

كما أصدرت مؤسسة Common Sense Media تقريراً أوصى بعدم استخدام المراهقين تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تحاكي التفاعل العاطفي، بسبب تأثيراتها السلبية في الصحة النفسية.

بين التحول والحذر.. من يرسم ملامح التعليم القادم؟

منع الهواتف لا يكفي. الأجهزة الأخرى والمنصات الذكية تفتح تحديات جديدة، والسؤال الأهم: كيف نُوظّف التكنولوجيا لتخدم التعليم دون أن تخترقه؟

الجواب يكمن في تحقيق توازن ذكي، حيث تكون التقنية داعمة لا مشتّتة، ويتعلّم الطلاب كيف يستخدمونها بمسؤولية، لا أن تَستخدمهم.

وهنا، يتحمل الجميع المسؤولية: من المعلم، إلى الأسرة، وصولاً إلى صانع القرار. فبين أداة تساعد على الإبداع، وأخرى تُربك التركيز وتُهدد الصحة النفسية، خيط رفيع اسمه “الوعي التربوي الرقمي”.

وفي ظل هذا التغيير المتسارع، يصبح من الضروري أن نعيد النظر في دور التكنولوجيا داخل الصف، لا كبديل للمعلم، بل كشريك له في صناعة مستقبل تعليمي أذكى، وأكثر تفاعلاً، وأقل توتراً.