رئيس الوزراء في حوار مع "الشرق الأوسط": العملة لا تتحسن بالشعارات بل بالقرارات الصعبة والانضباط المالي

رئيس الوزراء في حوار مع "الشرق الأوسط": العملة لا تتحسن بالشعارات بل بالقرارات الصعبة والانضباط المالي

عدن/ محور بلس:

أكد رئيس مجلس الوزراء سالم صالح بن بريك أن تحسّن سعر صرف العملة الوطنية مؤخراً لم يكن مصادفة، بل جاء نتيجة تكامل السياسات المالية والنقدية التي اعتمدتها الحكومة بالتنسيق مع البنك المركزي.

 

وأوضح رئيس الوزراء في حوار أجرته معه صحيفة "الشرق الأوسط" ونشرته في عددها الصادر اليوم الأحد، أن العملة لا تتحسن بالشعارات، بل بالقرارات الصعبة والانضباط المالي.

 

وقال: "نجحنا في كبح المضاربة وضبط السوق وإدارة الموارد المحدودة بكفاءة، وفرض آليات شفافة لتمويل الواردات".

 

وأضاف: "من بين الإجراءات التي اتخذتها الحكومة تشكيل اللجنة الوطنية لتنظيم وتمويل الواردات، حظر التعامل بالعملات الأجنبية في السوق الداخلية، وترشيد الإنفاق العام وتعزيز الإيرادات، وتفعيل أدوات الرقابة والشفافية، وتشكيل اللجنة العليا لإعداد الموازنة العامة للدولة 2026، في خطوة تعد الأولى منذ سنوات".

 

ولفت رئيس الوزراء إلى أن هذه التدابير قادت إلى تراجع كبير في الطلب على العملة الأجنبية، وتقليص الفجوات التي كانت تدفع الريال للهبوط الحاد، مشدداً على أن ما حدث يبرهن أن الإصلاحات المؤسسية قادرة على إحداث فارق حتى مع غياب الإيرادات الأساسية، في إشارة إلى توقف تصدير النفط الخام الذي يمثل 65 في المائة من الإيرادات العامة.

 

وتابع: "العملة لا تتحسن بالشعارات، بل بالقرارات الصعبة والانضباط المالي"، مؤكداً أن المرحلة الحالية تتطلب إتاحة الفرصة للحكومة للعمل بكامل صلاحياتها بعيداً عن العراقيل، إلى جانب إسناد الشركاء لتعزيز موقف العملة الوطنية، لكنه في الوقت ذاته يوضح أن هذا التحسّن بحاجة إلى إجراءات هيكلية إضافية لضمان استدامته، داعياً إلى قرارات استثنائية وشجاعة تتناسب مع طبيعة التحديات.

 

ووصف سالم بن بريك المرحلة الراهنة بأنها "مرحلة صعبة"، تفرض على الحكومة خوض معركة موازية لمعركة استعادة الدولة، تتمثل في معالجة الأوضاع المعيشية والاقتصادية والخدمية والأمنية، موضحاً أن أبرز التحديات محلياً تتمثل في الضغط الهائل على الخدمات الأساسية، وضعف الإيرادات مع توقف تصدير النفط، وتعقيدات ضبط الموارد المحلية، واتساع الاحتياجات الإنسانية، وإقليمياً تصاعد الهجمات الحوثية في البحر الأحمر ضد السفن التجارية وما تحمله من مخاطر على أمن الملاحة، أما دولياً فهي الحاجة إلى حشد الدعم في وقت يواجه فيه العالم أزمات متلاحقة اقتصادية وأمنية.

 

وأشار إلى أن التحدي الأبرز يتمثل في استعادة ثقة المواطن، الذي يريد أن يرى نتائج ملموسة: خدمات تتحسن وعملة تستقر، ويرى أن إسناد الحكومة من الشركاء سيكون له أثر رئيسي في هذا الجانب.

 

وحذر رئيس الوزراء من أن ميليشيا الحوثي تمارس حرباً اقتصادية ممنهجة، عبر استخدام الاقتصاد كسلاح لإضعاف الدولة وتعميق الأزمة الإنسانية، مؤكداً أن الحكومة تعمل بكل الوسائل لمواجهة هذا النهج، سواء عبر الإجراءات الداخلية أو بالتعاون مع الشركاء الخارجيين.

 

من إدارة الأزمة إلى صناعة الحل

 

ورفض رئيس الوزراء الاكتفاء بالتحسن الأخير في سعر صرف العملة الوطنية، مؤكداً أن المطلوب ضمان استدامة هذا المسار عبر إصلاحات جذرية، مشيراً إلى أن الحكومة تعتزم تنفيذ حزمة واسعة من الإجراءات أبرزها: تعزيز الإيرادات وضمان توريدها إلى الحساب العام للدولة مركزياً ومحلياً، وترسيخ الانضباط المالي والشفافية عبر آليات رقابية فعالة على الإنفاق العام، ومواصلة الإصلاحات الضريبية والجمركية لزيادة الموارد المستدامة، وتحسين إدارة احتياطيات النقد الأجنبي، ومتابعة إصلاحات السياسة المالية والنقدية، وتمكين القطاع الخاص من قيادة العملية التنموية عبر بيئة استثمارية جاذبة، واستقطاب التمويلات التنموية من الدول والمنظمات المانحة لتمويل مشاريع البنية التحتية والخدمات وخلق فرص عمل.

 

وكشف بن بريك أن الحكومة ماضية في تنفيذ خطة التعافي الاقتصادي 2025 – 2026، التي أقرها مجلس القيادة الرئاسي، متضمنة أهدافاً قصيرة المدى تتركز على تعزيز الاستدامة المالية، واستقرار النظام المصرفي، وتنمية الاقتصاد عبر تطوير قطاعات حيوية، والحد من التضخم وضبط الأسعار، إلى جانب مكافحة الفساد وتحسين الأداء المؤسسي.

 

وأضاف: "الهدف الأساسي هو أن يشعر المواطن بأن الحكومة لا تدير الأزمة فقط، بل تفتح أفقاً للحل بالانتقال من طور الاستجابة إلى طور الفعل والمبادرة، لافتاً إلى أن المرحلة حساسة لكنها واعدة إذا ما استُثمرت الفرص المتاحة والدعم الدولي المعلن، وترجم سريعاً إلى خدمات وفرص اقتصادية ملموسة".

 

كما قال: "إن الحكومة تعمل على توسيع الشراكات الاستراتيجية، خصوصاً مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، بما يشمل القطاعات الحيوية وعلى رأسها الكهرباء والطاقة المتجددة"، مشيراً إلى أن الهدف هو إيجاد حلول مستدامة لقضايا مزمنة، بعيداً عن الترقيع المؤقت، مبيناً أن العمل جارٍ على استعادة فعالية مؤسسات الدولة في عدن وضبط العلاقة مع السلطات المحلية وفق القوانين النافذة.

 

الدعم السعودي... رسالة طمأنة

 

وأكد رئيس الوزراء أن الحزمة التمويلية السعودية الأخيرة، البالغة ملياراً وثلاثمائة وثمانين مليوناً ومائتين وخمسين ألف ريال عبر البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، جاءت في توقيت حاسم لترسيخ الاستقرارين الاقتصادي والنقدي، ومساندة الإصلاحات التي شرعت فيها الحكومة، مشدداً على أن أثرها لم يقتصر على المؤشرات، بل مثل "رسالة طمأنة وثقة" لليمنيين والمجتمعين الإقليمي والدولي، بما يعزز قدرة الحكومة على الإيفاء بجزء من التزاماتها وتحسين الخدمات الأساسية، والمضي بوتيرة عالية في مسار الإصلاحات.

 

ولفت إلى أن هذا الإسناد جاء متسقاً مع تحسّن المؤشرات خلال الأسابيع الأخيرة، ومنها انخفاض التضخم وتراجع الطلب على العملات الأجنبية بفعل السياسات المنسّقة بين الحكومة والبنك المركزي، وتحسّن سعر الصرف نتيجة الإجراءات الإدارية والمؤسسية التي استهدفت ضبط السوق وفرض آليات شفافة لتمويل الواردات، مشيراً إلى أن الحزمة السعودية تساعد الحكومة على الإيفاء بجزء من الالتزامات تجاه المواطنين وتحسين الخدمات الأساسية، بما يخلق دائرة ثقة متبادلة بين الدولة والمجتمع ويعزز مناعة الاقتصاد في مواجهة صدمات الحرب.

 

وشدد بن بريك على أن مواقف المملكة تجاه اليمن ثابتة وتجسد عمق الروابط الأخوية، وأن الحزمة الأخيرة امتداد لمسيرة دعم تاريخية اقتصادياً وإنمائياً وإنسانياً، فضلاً عن الدور المحوري للمملكة في قيادة تحالف دعم الشرعية ومساعيها "المخلصة" لوقف الحرب وإحلال السلام.

 

كما لفت إلى أن الدعم السعودي يفتح نافذة فرص لتسريع الإصلاحات، داعياً الشركاء الإقليميين والدوليين إلى الالتحاق بمسار الإسناد عبر حزم فنية ومالية تُترجم سريعاً إلى خدمات ملموسة وفرص عمل وتنمية محلية متوازنة، بما يحول التحسّن الحالي من "بوادر إيجابية" إلى مسار مستدام.

 

وأوضح رئيس الوزراء أن التنسيق القائم مع المملكة "ممتاز"، مع خطط حكومية للوصول به إلى مستويات أعمق تنسجم مع خصوصية العلاقات التاريخية، بما يعزز الشراكات السياسية والاقتصادية والتنموية في إطار الأمن القومي المشترك.

 

ويرى بن بريك أن وسط الأزمات الإقليمية والدولية، يظل الدور السعودي مركز ثقل حيوياً، سواء في دعم القضية الفلسطينية أو في التصدي للإرهاب والمشاريع التخريبية في المنطقة.

 

الموقف الدولي... يحتاج إلى خطوات عملية

 

ووصف رئيس الوزراء دعم الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن بأنه ركيزة أساسية لأي مسار سياسي أو إنساني في اليمن، مؤكداً حرص الحكومة على استمرار وحدة الموقف الدولي ورفض الانقلاب الحوثي.

 

ويضيف: "أن تمسّك هذه القوى بقرارات الشرعية الدولية، وفي مقدمتها القرار 2216، يشكّل خريطة طريق مثلى لإعادة بناء مؤسسات الدولة ونزع سلاح الميليشيات"، مشيراً إلى أن قرار الإدارة الأميركية إعادة تصنيف الحوثيين كـ"منظمة إرهابية أجنبية" يمثل خطوة مهمة، داعياً بقية الدول إلى التحاق مماثل بالإجراءات العقابية.

 

وأضاف: "وضعنا في اليمن لم يعد مجرد أزمة محلية، بل أصبح جزءاً من معادلة الأمن الدولي، من البحر الأحمر إلى خطوط الملاحة العالمية".

 

مسار السلام... خيار استراتيجي وتعنت الحوثيين

 

وأكد رئيس الوزراء أن السلام خيار استراتيجي للحكومة اليمنية، لكنه مشروط بوجود شريك جاد ومسؤول، مبيناً أن التجربة أثبتت أن ميليشيا الحوثي ليست جادة، لم تلتزم بأي اتفاق، والمجتمع الدولي شاهد على ذلك.

 

ولفت بن بريك إلى أن تعنّت الحوثيين يعود إلى رفض داعميهم في النظام الإيراني لأي سلام، مشدداً على أن استمرار تدفق الأسلحة والمعدات المتطورة من طهران إلى الميليشيات، وما تكشفه الضبطيات المتكررة، يمثل الدليل الأوضح على غياب النية الحقيقية للسلام.

 

وحدد رئيس الوزراء ملامح السلام المنشود من خلال عودة العمل بمنظومة القوانين وبسط سلطة الدولة على أراضيها كافة، والاحتكام إلى الدستور والثوابت الوطنية، وتنفيذ المرجعيات الثلاث، وفي مقدمتها القرار رقم 2216.

 

وأضاف: "أن الكرة في ملعب الحوثيين، وأن أي مقاربة سياسية ناجحة مرهونة بـإنهاء النفوذ الإيراني المزعزع للأمن الإقليمي والدولي"، مكرراً دعوته إلى تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية دولية، وأن هذا شرط لحماية فرص السلام.

 

وفي تقييمه لأداء المبعوث الأممي، أشاد رئيس الوزراء بجهوده الدبلوماسية في فتح قنوات الحوار، لكنه دعاه إلى مزيد من الوضوح وتسمية المعرقلين دون مواربة، مطالباً بموقف أممي أكثر صرامة تجاه الانتهاكات التي تبدد كل فرص التسوية.

 

وشدد على أن السلام العادل يمر عبر دعم الحكومة الشرعية، وتعزيز قدرتها على تقديم الخدمات وحماية أراضيها ومياهها الإقليمية، وتابع: "إذا فُرضت علينا الحرب، فالشعب سيدافع عن حقوقه وثوابته ولن يقبل بإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء".

 

العلاقة مع الرئاسي... انسجام يحتاج صلاحيات

 

وأكد رئيس الوزراء أن نجاح الحكومة مرهون بغطاء سياسي قوي من مجلس القيادة الرئاسي، ودعم منظومة الإصلاحات الاقتصادية والمؤسسية، وتوفير بيئة العمل المناسبة ليس فقط لمؤسسات الدولة لكن أيضاً لجهود وخطط الحكومة في الاستثمار والشراكة مع القطاع الخاص، وتنمية الإيرادات المحلية، وضبط العلاقة مع السلطات المحلية، وتعزيز رؤية الحكومة وسياساتها لاستثمار كافة القطاعات والموارد في مجال الإصلاح الاقتصادي.

 

وقال: "هناك انسجام في الرؤية حول الإصلاحات، وإن النقاشات الجارية تتركز على تفاصيل وإجراءات".

 

وأضاف: "لدينا ثقة أن مجلس القيادة سيوفر الدعم السياسي الضروري للحكومة لتنفيذ برنامجها السياسي والاقتصادي وخططها لتعزيز الأداء المؤسساتي وإصلاح الاختلالات بطريقة تسمح بنجاح الجهود الحكومية وتحد من أي تدخلات أو عراقيل تعيق مسار الإصلاحات واستعادة الحكومة لدورها كاملاً"، معولاً على حكمة رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي في توفير الدعم الكامل للحكومة لتجاوز كل الاختلالات وتصحيحها.

 

وأكد رئيس الوزراء أن الهدف النهائي يتمثل في استعادة الدولة لدورها كاملاً، وضمان أن تتحول الإصلاحات الاقتصادية إلى خطوات عملية ملموسة يشعر بها المواطن، بما يعزز الثقة ويعيد رسم العلاقة بين الدولة والمجتمع.