في ظلال الحرب: المرأة اليمنية ومعاناة النزوح

في ظلال الحرب: المرأة اليمنية ومعاناة النزوح
صورة أرشيفية

خاص

محور بلس:

وسط حقول ذابلة وبيوت تآكلت جدرانها بسبب الحرب، تجد أم سمير نفسها في مشهد مألوف: تحمل على كتفها طفلها الصغير، تسند بيدها حقيبة صغيرة تضم بقايا من حياة كانت تسميها وطناً. أم سمير، كآلاف النساء اليمنيات، نزحت من قريتها الصغيرة في محافظة الحديدة إلى أطراف مدينة عدن، حيث تسكن الآن في خيمة نزوح لا تقيها لهيب الشمس الحارقة ولا تحمي صغارها من غبار الأرض ولهاث الأيام.

نزوح بلا خيار

مع اندلاع الحرب، لم يكن أمام أم سمير خيار سوى الهروب. تقول بحسرة:

“في قريتنا، فقدت كل شيء. مات زوجي بقذيفة طائشة، ولم أجد سبيلًا إلا الهروب مع أطفالي. تركت خلفي بيتنا، ذكرياتنا،وحتى الأرض الزراعية الصغيرة التي كنت أراها مستقبل أطفالي.”

لم تكن أم سمير وحدها. النساء يشكلن الغالبية من النازحين في المخيمات المتفرقة في مدينة عدن، حيث يتحملن مسؤوليات مضاعفة كأمهات ومعيلات، بينما يواجهن تحديات اجتماعية واقتصادية هائلة.

الإستقرار الاجتماعي المفقود

النزوح لا يعني فقط خسارة الأرض والمنزل، بل يمتد ليشمل تفكك الروابط الاجتماعية. تقول أم سمير: قبل النزوح كنت أعتمد على المجتمع المحلي في قريتنا لتربية أطفالي وتنشئتهم. الآن، أجد نفسي معزولة، محاطة بعائلات غريبة تكافح الظروف نفسها.

“كان لدينا جيران وأصدقاء يقفون معنا في السراء والضراء. الآن، أشعر أنني أعيش في عزلة، حتى لو كنت محاطة بالناس”، تقولها بنبرة يملؤها الألم.

عبء الحرب النفسي والاجتماعي

لا يقتصر تأثير النزوح على الجانب المادي فقط، بل يمتد إلى الجانب النفسي. تعاني النساء النازحات من مشاعر القلق والخوف الدائم على أطفالهن ومستقبلهن. 

تضيف أم سمير:

“أحلم أن يعيش أطفالي حياة طبيعية، يذهبون إلى المدرسة ويلعبون مع أصدقائهم. لكن الواقع أقسى من أن يمنحنا هذاالحلم.”

التقاليد الاجتماعية أيضاً سببت ضغطاً كبيراً. حيث أن بعض النساء فقدن الدعم من أسرهن الممتدة أو تعرضن للوصم الاجتماعي بسبب ظروف النزوح، مما يزيد من صعوبة التكيف.


 الجهود الإنسانية: ضوء في الظلام

رغم المأساة تبرز جهود المنظمات الإنسانية كطوق نجاة للعديد من النساء النازحات في المخيمات، حيث التحقت أم سمير ببرنامج تدريبي تعلمت فيه مهارات الخياطة. 

تقول بابتسامة خجولة:

“أحاول الآن أن أبدأ مشروعاً صغيراً لخياطة الملابس. ربما أستطيع من خلاله تأمين حياة أفضل لأطفالي.”

لكن هذه الجهود تظل محدودة، وغير كافية لتلبية الاحتياجات المتزايدة للنازحين.


رسالة أمل رغم الألم

بينما تروي أم سمير قصتها، تظهر في عينيها لمحة أمل. ورغم الألم، تجد القوة لمواصلة النضال من أجل أطفالها. تختم حديثها قائلة:

“قد تكون الحياة صعبة الآن، لكنني أؤمن أن الغد يحمل شيئًا أفضل. نحن النساء اليمنيات، تعلمنا الصمود حتى في أحلكالظروف.”

أخيراً تظل معاناة النساء اليمنيات في النزوح مرآة تعكس وجع الحرب، لكنها أيضاً شاهدة على صمودهن. حيث أنه في كل خيمة، قصة أم تكافح، امرأة تصنع الأمل من رحم الألم، وإنسانة تحلم بيوم يعود فيه السلام إلى وطنها.