العادات تُزوجُ الفتاةَ لأيّ غريبٍ يطرقُ الباب 

العادات تُزوجُ الفتاةَ لأيّ غريبٍ يطرقُ الباب 

محو بلس|| خاص:

" أغلق والدي بابَ المنزلِ في وجهي قائلاً: لا مكانَ لكِ في هذا البيت "

فاطمة( اسم مُستعار) طفلةٌ في السابعةِ عشرة كأي طفلةٍ مُثابرةٍ في المدرسة، كان لها حُلمٌ بأن تكونَ طبيبة في المُستقبل، لكِنَ القدر و عائلتها لم يكونوا سِوى جدارٍ لتحطيمِ ذلك الحُلم، و الان تُسمى بـ (أُم أحمد) بدلاً عن (فاطمة) 

كفاحٌ لأجل التعلم

عندما كانت طفلة في المدرسة بذلت جُهدها لأجل تحقيقِ ذلك الحُلمُ الجميل، رغم أن أخواتِها لم يدرسوا كما درست بل توقفوا بسبب فرضِ قانونٍ في العائلة، و عدمُ إنهاءِ الدراسة، حاولَ إخوتُها الأكبر منها إيقافها و إجبارها على التوقف لكنها لم تستسلم، بل طلبت من والدِها أن يقف معها و بشكلٍ مُلحٍ حتى وافقَ لطلبِها. 

تحطُمُ الحُلم 

في مُنتصفِ العامِ الدارسي للسنةِ الثالثةِ في الثانوية، أتى والدُها يُخبرُها ببُشرىَ لم تُسعدها، و هو أن أحدهم قد تقدمَ لخطبتِها، رفضت ذلك العرضَ قائلةً أنها لا تزالُ في السابعةَ عشرة، و لا تُريدُ أن تتزوجَ بل تُريدُ أن تُكمِلَ دراستها حتى الجامعة، فأوقفها والدُها بصوتٍ صارمٍ؛ أنُ لا رأي لها بهذا الأمر، بل و أنها ذاتٌ حظٍ أكبر من أخواتِها فقد واصلت الدراسة حتى المرحلةِ الثانوية، أضاف لذلك أنهُ أعطى كلمتهُ لهم و لن يتراجع عنها،و أن هذهِ عادةٌ لديهم و ليس لبناتِهم حقٌ في الرفضِ، و ليس في عائلتهِم بناتٌ يدرسنَّ الجامعات، تقولُ أُم أحمد بصوتٍ مُهتز: " لم أستطع الردَ عليهِ حينها لأنهُ غاضبٌ، و لأن مشاعري قد تحطمت و لم أستطع التحدُثَ حتى لا أنهارَ بالبُكاءِ أمامهم " 

زفافٌ أسود

عاد والدُ الفتاةِ للمنزلِ مُحملاً خبراً لم تتوقعه، قائلاً لها أنهُ عاد للتو بعد عقدِ قِرانِها مع ذلك الرجل، و أنها الان قد أصبحت زوجتهُ، و زفافها سيكونُ بعد إنهائها لإمتحاناتها الثانوية، ثم ستذهبُ إلى مدينةٍ أُخرى بعيداً عن أهلها ، تقولُ فاطمة : " أُصبتُ بالصدمةٍ من ذلك، و لم يُعطني والدي المجالَ لأتحدث، كنتُ طفلةً و لم أكن أهلاً للمسؤليةِ بعد، إضافة لذلك لم أكن أعرفُ ذلكَ الرجُلَ أو أياً من عائلته أو أحداً في مدينته "، رغم ذلك تزوجت بصمتٍ في يومٍ كان الجميعُ فيهِ سعيداً عدها، لكنها تمسكت ببعضِ الأملِ و قررت أن تُخبر والد زوجها عن رغبتِها بالدراسة، وافقها بإبتسامةٍ صادقة بأن لها ما تحلمُ به، و أنها ستدرسُ بأي جامعةٍ تُريدُها. 

 من طفلةٍ إلى أُم

وصلت فاطمة لمنزلِها الجديد، و عائلتِها الجديدة، كانت خائفةً و تشعرُ بالوحدةِ وسطَ العائلةِ الجديدة؛ لأنها لم تعرف أياً منهم مُسبقاً لذا شعرت بعدمِ الأمانِ و التشتُت، لم تكن سِوى طفلةً خرجت من وسطِ عائلتِها و مدينتِها، تاركةً حُلمها للتزوجَ زواجاً تقليدياً مُرغمةً بذلك، بعد فترةٍ حَمِلت فاطمة بمولودِها الأول ، لكنها كانت لا تزالُ طفلةً تجهلُ ما ينتظرُها من ذلِكَ الحمل، كانت تتألمُ و لم تستطع التحدثَ وسطَ تلك العائلةِ التي لم تعتد عليها بعد، و لم تعد على طعامِهُمُ المُختلفَ عما كانت تتناولهُ في منزلِها السابق، فكانت تتناولُ القليلَ معهم و عادتاً تنامُ جائعةً بلا تناولِ العشاء، أما عن زوجِها فلم يكن ذلك الرجُلَ الذي يُقدمُ لها ما هيَّ بحاجته، و لم يكن يهتمُ بها كأي رجُلٍ حقيقي،بل أخذ كُلَ ما تملكهُ من الذهبِ ليسافرَ إلى" السعودية " بحُجةِ العمل ، عانت بصمتٍ من الألمِ و الجوعِ،حتى نزلَ وزنُها و تغيرت ملامِحُها الجميلةَ لتُصبِحَ كالشبح ، أخبرت والِدَ زوجها أنها تريدُ العودةَ لمنزلها، لكنه غضِبَ و أخبرها أنهُ لا مجالَ لها لتعودَ لمنزلِ عائلتِها، عندها قررت أن تتحملَ ذلك بصمت. 

بعد فترة قررت أن تُخبر والِدَ زوجها عن طلبِها السابق و هو الدراسةُ في الجامعة، لكن أخواتِ زوجها أعترضنَّ ذلك قائلاتٍ أنها عبئٌ على زوجها الذي لا يملكُ المال الكافي لإعالتِها و إعالةِ طفلها ، لم يقف أحدٌ ما معها في ذلك الأمر لذا قررت أن تصمُتَ و تتحملَ ذلكَ الإنكسارَ وحدها. 

استمر الحالُ على ذلك الأمر، و كان زوجُها يذهبُ لفترةٍ و يعودُ لفترةٍ قصيرة، لكن بعد أن حَملت بالطفلِ الثالثِ لم يعد زوجها من السفر، غابَ عنها و عن أطفالِها لخمسة عشرة سنة، و لم يسأل عنهم أو يهتمَ لأمرهم، كان يُرسلُ القليلَ من المال فحسب، حينها قررت الذهابَ لمنزلِ عائلتِها مُخبرتاً إياهُ أنهُ أبٌ مُهملٌ لأبنائه ، لعلهُ يأتي مُعتذراً أو يُدرِكَ خطأه، لكنهُ بدلاً عن ذلك أتاها بأللفاظٍ فظة قائلاً: كما ذهبتِ ستعودين أو ليكونَ نهايةُ الأمر للطلاق، لم تتوقع فاطمة ذلك الأمر لكنها قررت أن تُحافِظَ على كرامتِها و الأ تعودَ له، و هُنا تتطلقت منه. 

السندُ الوحيدُ حطمَ بصيصَ الأمل

عادت فاطمة لمنزلِ والدِها مع أولادِها الثلاثة، و هُنا كانت الصدمة؛ تقولُ فاطمة: " أغلقَ والدِي بابَ المنزلِ قائلاً لا مكانَ لكِ في البيت " وسطَ تنهيداتٍ و محاولاتٍ لكبحٍ دموعِها من الإنهيارِ قالت ذلك، ثُم أضافت: " لم يقبلني أحدٌ من إخوتي كذلك، لكن ما ألمني أكثرَ هو والدي الذي أغلقَ باب المنزلِ في وجهي " كانت تقفُ مع أطفالهِا الثلاثةَ خارِج المنزلِ مُحطمةً تُحاولُ عدم الإنهيارِ أمامهم، ثُم قررت الإتصالَ بعمها القريبِ مِنهم، طالبتاً منهُ أن يسمحَ لها بأخذِ منزلهِ السابق المهجور، رد لها أن المنزل قد هُجِرَ لفترةٍ من الزمن، و قد تسكنُ فيه بعض الزواحفِ و الحشرات، لكنها أللحت عليهِ فلا مكانً آخرَ لها، عندها وافقَ عمُها بذلك. 

نفحةٌ مِن الأمل 

ذهبت فاطمة لذلك المنزلِ المهجورِ مع أطفالها،كان منزلاً صغيراً و ضيق،مليئاً بالحشراتِ و الزواحف، ثم بدأت بتنظيفهِ و إعادةِ ترميمه، و هُنا طلبت من والدِها أن يُعطيها إحدى مكائِنِ الخياطة التي يعملُ بها و ستعطيهِ مبلغً كافياً لشرائِها منه، ثم بدأت ببعضِ الأمل تعملُ في خياطةِ الملابسِ لتجمعَ ما يكفي لإطعامِ أطفالِها و لتدريسِهم ، لم يكن ذلك كافياً لذا قررت البحثَ عن عملٍ آخر، فعملت مُساعدةً لطبيبِ أسنانٍ في إحدى العياداتِ الخاصة، لتحصُلَ على ثمنٍ قليلٍ لتُضيفَ ذلكَ لإعالةِ أطفالِها، حتى كبُرَ أطفالُها و أصبحوا جامعيينَ دونَ شعورِهِم بالحاجة. 

بعد أن حققت حُلمَ أبنائِها بأن يدرسوا ما يودونه،و زواجِ إبنتِها الكُبرى ، قررت الدخولَ في دوراتٍ تدريبةٍ خاصةٍ بالإسعافاتِ الأولية، و شاركت في بعض الندواتِ ، و عملت في بعض المُنظمات فحقتت ما تمنتهُ و إن كان بالشكلِ البسيط.

أُم أحمد ليست الفتاة الوحيدةَ التي عانت بسببِ العاداتِ السائدةِ لدى البعض في هذا البلد ، لكنها من الأقليةِ التي إستطعنّ التغلُبَ على تلك الصعاب، و واصلت رغم كُلِ ما مرت به.