الأطعمة فائقة المعالجة… صناعة مربحة تقود صحة العالم نحو المجهول
CNN بالعربية
محور بلس
تُغرق الأطعمة فائقة المعالجة موائد العالم وتشكّل اليوم أكثر من نصف السعرات الحرارية التي يستهلكها البالغ الأمريكي، وفق دراسات حديثة. ورغم انتشار الأدلة التي تربطها بالسمنة والسكري وأمراض القلب، فإن هذه المنتجات تواصل اجتياح الأسواق بدعم من نفوذ صناعي واقتصادي هائل يعرقل أي تحرك جدي للحد من مخاطرها.
انتشار هائل… وأرباح أعلى من أي وقت مضى
تشير سلسلة تقارير نشرتها مجلة The Lancet إلى أن شركات الأطعمة فائقة المعالجة ضاعفت أرباحها تاريخياً، إذ استحوذت وحدها على أكثر من 50% من إجمالي 2.9 تريليون دولار وزّعتها شركات الأغذية العالمية على المساهمين بين عامي 1962 و2021.
ويقول كارلوس أوغوستو مونتيرو، أحد أبرز خبراء التغذية:
“الاستهلاك يتزايد عالمياً ومدفوع بشركات قوية تعتمد على نفوذ سياسي واسع لإيقاف أي سياسات تقيد أرباحها.”
ويضيف خبراء أن الصناعة قادرة على مضاعفة أرباحها عبر تحويل مواد خام بسيطة – كالقمح والفاصوليا – إلى منتجات عديمة القيمة الغذائية يتم إعادة تركيبها بالنكهات والمواد المضافة لجعلها جذابة… وربما إدمانية.
صناعة تقاوم التغيير… وتموّل الشكوك
تلفت تقارير Lancet إلى أن شركات الأغذية تستخدم نفوذاً متشعباً يشمل الإعلانات وسلاسل المطاعم وتجار التجزئة واللوبيات، وحتى بعض المؤثرين وخبراء التغذية الذين يخففون من المخاطر.
وتكشف التحليلات أن الدراسات الممولة من الصناعة أكثر احتمالاً بخمس مرات لعدم إيجاد أي علاقة بين السمنة وهذه المنتجات، ما يثير تساؤلات حول مصداقية الأبحاث المدعومة تجارياً.
الصناعة تؤكد من جهتها، عبر التحالف الدولي للأغذية والمشروبات، أن تصنيف “الأطعمة فائقة المعالجة” لا يحظى بإجماع علمي، محذّرة من أن السياسات المقترحة قد تقيّد الوصول إلى منتجات تعتبرها “غنية بالمغذيات”.
استراتيجيات تشبه شركات التبغ… وتسويق يستهدف الأطفال
تكشف ماريون نيستل، الباحثة في جامعة نيويورك، أن شركات الأغذية تبنّت منذ عقود استراتيجيات مستوحاة من شركات التبغ، تهدف لتصميم منتجات لذيذة، جاهزة في كل مكان، وصعبة المقاومة.
وغالباً ما يكون الأطفال الهدف الأول لحملات التسويق، ما يدفع خبراء الصحة والدول للمطالبة بتشريعات أكثر صرامة.
واقع استهلاك صادم
• ???????? 70% من المنتجات في الأسواق
الأمريكية فائقة المعالجة.
• يحصل الأطفال على 62% من سعراتهم اليومية منها، مقابل 53% للبالغين.
• ومع تشبع أسواق الغرب، تتوسع الشركات بقوة نحو أمريكا الجنوبية وإفريقيا وشرق أوروبا والصين والهند.
الأبحاث الطبية: تحذير واضح وصريح
استعراض شامل لـ 104 دراسات كشف أن 92 دراسة أثبتت وجود علاقة مباشرة بين الأطعمة فائقة المعالجة وزيادة خطر الإصابة بأمراض مزمنة.
وتظهر التجارب السريرية أن تناولها يؤدي إلى 500–1000 سعرة حرارية إضافية يومياً مقارنة بالأطعمة الطازجة، ما يفسر ارتفاع معدلات السمنة عالمياً.
يقول مونتيرو:
“هذه الأطعمة مصممة لاستهداف نقطة السعادة في الدماغ، ما يجعل الإفراط في تناولها شبه محتوم.”
رغم ذلك، يشير بعض الإحصائيين إلى أن الكثير من الأبحاث رصدية وليست حاسمة، ما يترك الباب مفتوحاً لمزيد من الدراسة.
تجارب دولية… ونتائج مشجعة
دول مثل تشيلي والمكسيك وبريطانيا وأيرلندا وكوريا الجنوبية بدأت بتطبيق ضرائب، وملصقات تحذيرية، ومنع التسويق للأطفال.
وقد أثبتت هذه الخطوات فعاليتها، خصوصاً في الحد من استهلاك المشروبات المحلّاة والمنتجات ذات الأصباغ والدهون المتحولة.
لكن الخبراء يحذرون من أن التركيز فقط على الدهون والسكر لا يكفي، لأن معظم الأطعمة فائقة المعالجة تحتوي على نكهات وألوان ومحليات صناعية تجعلها ضمن أعلى درجات الضرر.
دعوة عالمية عاجلة
صنفت منظمة الصحة العالمية الأطعمة فائقة المعالجة على أنها “تهديد منهجي للصحة العامة والاستدامة”، داعية إلى تحرك دولي عاجل لحماية الأطفال قبل أي فئة أخرى.
أما اليونيسف، فأكدت دعمها لإطار سياسي عالمي يهدف لوقف نفوذ الصناعة وحماية الأسر من المنتجات التي تُغرق الأسواق وتُضعف الأنظمة الغذائية التقليدية.
خلاصة
الأطعمة فائقة المعالجة ليست مجرد خيار غذائي…
بل صناعة عالمية هائلة تتحكم في العادات الغذائية، تخلق الإدمان، وتعمّق الأزمات الصحية، بينما تُحرك مليارات الدولارات سنوياً.
في المقابل، تتزايد الأدلة، وتتسع رقعة التحركات الحكومية، ويرتفع صوت الخبراء الداعين لحماية المجتمعات—خصوصاً الأطفال—من موجة غذائية تهدد الصحة العامة وتعيد تشكيل مستقبل التغذية على مستوى العالم.
ويبقى السؤال:
هل سيتحرك العالم بحزم كافٍ… قبل أن تصبح الأطعمة فائقة المعالجة أمرًا لا يمكن التراجع عنه؟




