سرقة بحرية باسم العقوبات.. أمريكا تصادر سفينة نفطية وفنزويلا تتعهد بالرد
محور بلس - بقش
في تصعيد هو الأكبر منذ سنوات في ملف العقوبات النفطية، أعلنت الولايات المتحدة احتجاز ناقلة نفط “كبيرة جداً” قبالة السواحل الفنزويلية، كانت في طريقها إلى كوبا، في خطوة اعتبرتها كاراكاس “سرقة سافرة” وانتهاكاً صارخاً لسيادتها.
وسرعان ما تحوّل الحدث -الذي بدأ بإعلان صاخب من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب- إلى أزمة جيوسياسية واقتصادية تهز أسواق الطاقة، وتعيد فتح واحد من أكثر الملفات حساسية في السياسة الخارجية الأمريكية، وهو ملف مواجهة نظام الرئيس الفنزويلي “نيكولاس مادورو” عبر سلاح النفط.
أكبر ناقلة تم الاستيلاء عليها على الإطلاق
في تصريحات مثيرة خلال حدث بالبيت الأبيض، قال ترامب: “لقد استولينا للتو على ناقلة على ساحل فنزويلا، ناقلة كبيرة جداً، أكبر ناقلة تم الاستيلاء عليها على الإطلاق”.
ورغم عدم تقديم البيت الأبيض تفاصيل مباشرة، أكدت مصادر مطلعة أنها ناقلة تحمل اسم “سكيبر” مسجلة تحت علم بنما، وتابعة لشركة ترايتون نافجيرينغ التي سبق أن وضعتها وزارة الخزانة على قائمة “الكيانات المحددة خصيصاً” (SDN) بسبب دورها في شبكة تهريب نفط لدعم حزب الله اللبناني.
وحسب بيانات تتبَّعها “بقش” من شركة تتبع السفن “كبلر”، فإن الناقلة كانت خارج أنظمة التتبع التجاري، ما يرجح إطفاء نظام AIS لإخفاء مسارها، وهي ممارسة شائعة ضمن “أسطول الظل” الذي ينقل نفط فنزويلا وإيران عبر طرق ملتوية تتجنب العقوبات.
وأظهر فيديو شاركته المدعية العامة بام بوندي على (X) مسلحين يهبطون من مروحيات إلى سطح السفينة، في عملية ذات طابع عسكري واضح بمشاركة الـFBI وخفر السواحل وتحقيقات الأمن الداخلي.
تفاصيل العملية تشير إلى أن السفينة كانت في طريقها إلى كوبا، حيث كانت شركة كوبا ميتاليس الحكومية تخطط لإعادة بيع الشحنة لوسطاء طاقة آسيويين، وتأتي العملية بعد يومين فقط من مقابلة لترامب مع صحيفة “بوليتيكو” الأمريكية رفض فيها استبعاد التدخل العسكري المباشر لإسقاط مادورو، متهماً إياه بتهريب المخدرات والمجرمين إلى الولايات المتحدة.
وجاءت خطوات ترامب الأخيرة ضمن استراتيجية تصعيد بدأت منذ أشهر، شملت إعادة فرض العقوبات على قطاع النفط الفنزويلي، وتعزيز الوجود البحري الأمريكي في الكاريبي، واستخدام القوة المميتة ضد قوارب تتهمها واشنطن بتهريب المخدرات بالتعاون مع الجيش الفنزويلي، والتلويح باستخدام القوة لإجبار مادورو على التنحي لصالح المعارضة.
النفط يقفز والقلق يتصاعد
احتجاز الناقلة انعكس فوراً على الأسواق، حيث قفز سعر الخام الأمريكي بنسبة 1% ليقترب من 59 دولاراً للبرميل وفق اطلاع بقش على أحدث بيانات السوق، ويرى محللون أن العملية تحمل “عامل مخاطر جيوسياسي” قد ينعكس سريعاً على أسعار النفط، خاصة إذا توسعت واشنطن في اعتراض السفن.
خورخي ليون من شركة “ريستاد إنرجي” قال إن العملية (احتجاز السفينة النفطية) هي “تصعيد واضح من العقوبات المالية إلى الاعتراض المادي”.
لكن آخرين يرون أن التأثير سيكون محدوداً، مثل ديفيد غولدوين (مسؤول سابق في الخارجية الأمريكية) الذي رأى أن التجارة الصينية لا تعتمد على سفن خاضعة للعقوبات، وأن 90% من النفط الفنزويلي يذهب للصين عبر “أسطول الظل”، مشيراً إلى أن التأثير الحقيقي ضعيف ما لم تبدأ واشنطن باعتراض جميع السفن التي تحمل النفط الفنزويلي.
أما كلايتون سيغل من CSIS فاعتبر العملية “حدثاً غير مؤثر نسبياً في أسواق النفط، هو مجرد تكتيك لزيادة الضغط على كاراكاس”.
كاراكاس تتهم واشنطن بالقرصنة
سارعت الحكومة الفنزويلية لإصدار بيان رسمي طالعه بقش اتهمت فيه الولايات المتحدة بارتكاب “سرقة سافرة”، وتعهدت بـ”الدفاع عن السيادة والموارد الطبيعية والكرامة الوطنية بتصميم مطلق”، مؤكدة أنها ستلجأ للهيئات الدولية لرفع شكوى ضد واشنطن.
وبلغ التوتر ذروته بعد أن أكد ترامب احتجاز السفينة بنفسه، فيما التزمت السفارة الكوبية الصمت، ولم ترد شركة النفط الفنزويلية PDVSA على طلبات التعليق من وسائل الإعلام.
ويُنظر إلى أن احتجاز الناقلة يأتي في سياق سياسي حساس، حيث تعمل إدارة ترامب على خنق تدفقات النفط الفنزويلي، بينما لم توقف العقوبات السابقة صادرات كاراكاس التي تقول واشنطن إنها تستعين بشبكات تهريب واسعة.
وأراد ترامب إظهار أن واشنطن مستعدة للانتقال من “عقوبات مالية” إلى عمل ميداني مباشر، كما أن تصريحات ترامب بأن سعر البنزين “انخفض إلى 1.99 دولار” -رغم أن متوسط السعر الوطني يقارب 3 دولارات للجالون (الجالون يعادل 3.783 لترات)- تُظهر رغبته في استخدام الملف النفطي كورقة شعبوية أمام ناخبين يشتكون من تضخم تكاليف المعيشة.
البعد القانوني
غولدوين أوضح أن للولايات المتحدة سلطة مصادرة السفن المصنّفة على قائمة العقوبات، لكن هذه الصلاحية لا تُستخدم إلا نادراً، وتتطلب وجوداً بحرياً قريباً من مسار السفن المخالفة، وكانت تُستخدم سابقاً ضد ناقلات نفط إيرانية أو ليبية.
وكانت آخر عملية مشابهة عام 2014 عندما صادرت قوات أمريكية ناقلة “مورنينغ غلوري” في البحر المتوسط، لذلك يمثل اعتراض الناقلة الفنزويلية تحولاً كبيراً في طريقة تطبيق العقوبات، وقد يشجع دولاً أخرى على القيام بخطوات مماثلة في مناطق نفوذها.
ورغم هذا التصعيد، لا تزال شركة شيفرون الأمريكية تعمل في فنزويلا بموجب ترخيص خاص جددته إدارة ترامب مطلع العام الجاري، وقالت الشركة إن عملياتها تتواصل “دون انقطاع”، في مؤشر إلى أن واشنطن تحاول الضغط على مادورو دون الإضرار بمصالح الشركات الأمريكية العاملة هناك، وهو توازن صعب، خصوصاً في ظل تعقيدات الملف الفنزويلي.
ولا يُقرأ احتجاز الناقلة باعتباره عملية مصادرة بل شرارة في صراع أكبر، فواشنطن وفق التحليلات تنتقل من العقوبات إلى الاحتجاز المباشر، ما يعني تغيراً في قواعد اللعبة، ورفع تكلفة الشحن للفنزويليين.
وترى كاراكاس أن سيادتها مهددة، وربما تلجأ لإجراءات سياسية أو دبلوماسية قد تشمل تقارباً أكبر مع روسيا وإيران، أو حتى تحريك الملف أمام محكمة العدل الدولية.
ويُنظر إلى أي تهديد لممرات التجارة في الكاريبي، وإن كان محدوداً، بأنه يعيد تسعير المخاطر الجيوسياسية. ويبدو أن ترامب يرسل رسالة انتخابية مفادها أن واشنطن “تضرب بيد من حديد”، في ملف حساس شعبوياً، وهو النفط وأسعار البنزين والأمن القومي."




