هَمْس الأحرف.. من رحم المعاناة بنيت نفسي

كرّست قلمي للكتابة في المجال الإجتماعي، وأول كتابٍ لي "شوائب الأفكار" كانت كخطوة بداية في عالم الكتابة. لا أنس فرحة زميلاتي وهنَّ مغرمات بالمحتوى ومن بعدها جاءتني الكثير من الرسائل" حمدة اكتبي عن كذا وكذا وكذا ". لا أقول أنني اخترت هذا المجال عبثاً؛ فمن رحم المعاناة بنيت نفسي واتخذت لها سبيلاً يرضيني وينفع غيري. 

- كُنت أقرأ عبارة " التاريخ لا يخلد إلا العظماء" على جدار المدرسة وأتأملها كثيراً وأخبر نفسي أنني عظيمة ولا ألبث أن أفكر أنني في مجتمع لا مجال للمرأة فيه " عن مسقط رأسي أتحدث". 

- وفي يومٍ من الأيام كنت مقبلة على المدرسة وإذا بزميلة لي توقفني في الطريق لنكمل السير معاً.. وإذا بها بدأت تشكو وتشكو نظرتُ إليها وأشرتُ بيدي إلى جدار المدرسة. قالت لي.. اتقصدين عبارة " أن التاريخ لا يخلد إلا العظماء" ههزت رأسي إيجاباً.. فصرخت في وجهي " أنتِ حمدة معروفٌ عنك قوية وأنا لا شيء... أمسكت بكتفيها وهززتها قائلة: المرء هو من يجعل قيمة و وجوداً لنفسه.

وبعد التخرج من الثانوية العامة أصدرت كتابي " شوائب الأفكار" و واجهت الكثير من النقد وأن حمدة كتبت اسمها على الكتاب وهي امرأة فلو أنها كتبت اسم أحدٌ من إخوتها أو والدها.. سخرت وتقززت من هذه الأفكار المريضة .. هذه العقول التي تنظر للمرأة أنها عارٌ في كل شيء.. أنها جسد لا يحق لها أي شيء في هذه الحياة سوى تحقيق مطالب الرجل.

بعدها واجهت تحدي كبير في حياتي وسأحكي لكم قصتي وأنا أضحك و للأسف لا زالت هذه الروح العنيدة والممتلئة بالاصرار تسكن فيَّ..

بعد الثانوية العامة.. واجتيازي لها بنسبة 99%، كنت في قرية بعيدة كل البعد عن أماكن التعليم... رأيت نفسي فقط " قراءة الكتب" و " الروتين اليومي المعتاد" من تنظيف المنزل وغيرها... وهذه الشهادة ترقد بين ملابسي.. اقترحت على والدي أن أدرس في معهد دورة في التمريض أو في اللغة الإنجليزية.. كانت إجابة والدي " لو درسوا البنات اللي في القرية ادرسي معهم" قلت له " لا تربطني فيهم ... كل واحد ونفسه أو اجبرهم على الدراسة؟!) قال لي: لأن ماحد بيروحك ويجيبك وأنا مو موجود!!!.. تم إغلاق الموضوع 

بكيت حينها بشدة.. وخطرت في بالي فكرة أن أخلق من اللا شيء شيئاً... فتحت اليوتيوب وبدأت بالدراسة مع أحمد الكربلائي" قناة على اليوتيوب لشخص عراقي يشرح أسس التمريض".. وكان معي دفتر وقلم وأكتب بعده وأتعلم... إلى أن انتهيت من كورس " تركيب الكانولا وسحب الدم".. وهنا لا بد من التطبيق..

اقترحت لأمي أن أشتري كانولا وأجرب.. لم ترضَ أمي في بادئ الأمر.. ظللت أطلب منها الرضى فقط لأنني كذا وكذا سأفعل لكن أريد أن ترضى لا أن توافق هههه خطة مجنونة 

وافقت أمي.. و طلبت من أخي إحضار الادوات سراً دون معرفة أية كائن... وعندما أحضرها لي قالوا لي : من كبش الفداء ؟! قلت لا شأن لكم.. أنا كبش فداء نفسي... كانوا أهلي خائفين من هذه المجنونة التي ستنفذ فكرة فريدة من نوعها... قالت أمي: يا بنتي لو حدث لك شيء؟! قلت عادي.. غرزت الإبرة بيدي من أول ضربة نجحت في تركيبها . 

من بعدها ارتاحت أمي لأفكاري لأنها لم يعقبها أي ضرر... قلت غداً تجربة سحب الدم... ضرب أخي صدره بشجاعة قال: يدي حلالك... هههههاااهه حينها طربت فرحا، والحمدلله سحبت الدم منه بنجاح دون أذى.

حينها جاءت فكرة " الخياطة" فكرت أنني سأجرح ساقي جرح بسيط لا يتعدى الثلاث غرز خياطة، لم أخبر أمي أو أحداً.. سوى أختي... لكن رحمة الله أنني لم أجد الخيوط المناسبة متوفرة في الصيدلية ... هههه 

انتهت.

عندما أتذكر، أعلم كم كنت متهورة جداً.. لكن رحمة الله كانت تحيط بي، وكانت روحي حرة لا ترضَ بالتقييد.

قلمي حر لأجل النساء أولاً

ولأجل المجتمع ثانياً وآخراً 

ولكل فتاة قالت لي " اكتبي عن كذا وكذا أنتِ صوتنا" لم أنسَ ولكن أرتب الأمر بحكمة وليس بعجلة.