حين يصعد الحمير إلى القمم
وأنا أتصفح بعض المواقع هذا اليوم استوقفتني عبارة بدت في ظاهرها بسيطة ولكنها كلما أعدت قراءتها شعرت وكأنها تسللت بهدوء إلى عمق واقعنا، لتفضح مفارقاتنا المؤلمة، وتكشف عورات منظومتنا المهترئة العبارة تقول:
"من الصعب إنزال الحمير الذين صعدوا إلى مكانٍ ليس مكانهم الحقيقي."
ابتسمتُ أول الأمر لصراحتها الفجّة وربما ضحكت من طرافتها لكنني حين أمعنت النظر وجدت فيها مرآة صافية لما نراه كل يوم في مؤسساتنا وفي دوائرنا وفي مراكز القرار من حولنا.
كم من أشخاصٍ اعتلوا مواقع لا يملكون لها لا علماً ولا فهماً ولا كفاءة ولا رؤية؟ كم من الجهلة تُصاغ على أفواههم القرارات وتُدار بعقولهم المؤسسات؟ وكم من الأكفاء وأصحاب الفكر والتجربة أُقصوا لأنهم لم يجيدوا "فن التسلّق"، أو لأنهم لم ينحنوا، ولم يصفّقوا، ولم يشاركوا في حفلات التزلف الجماعية؟
إن المشكلة الحقيقية ليست فقط في صعود من لا يستحق بل في صعوبة إنزالهم فأولئك الذين حين يصلون إلى الأعلى يتحولون إلى أثقالٍ معيقة إلى أثاثٍ غير قابل للتحريك، محصنين بشبكات المصالح، محاطين بجوقات المصفقين.
تتجلى الكارثة حين يتحول البقاء في المنصب إلى حقٍ مكتسبٍ لمن يصفق، لا لمن يُتقن وحين يصبح الصوت العالي بديلاً عن الفهم، والولاء الأعمى بديلاً عن الإنجاز، والنفاق جسراً يعبر عليه الجهلة إلى قلاع القرار.
هذه العبارة رغم قسوتها ليست مزحة بل صفعة صفعة تُذكّرنا أن المجتمعات التي يتقدّم فيها من لا يستحق وتتراجع فيها الكفاءات ليست إلا مجتمعات تهدم نفسها بأيديها فكل حمارٍ يُرفع فوق مقامه يُقصي في طريقه عالماًوويُحبط مجتهداً ويكسر سلالم الصعود الحقيقي.
نحن بحاجة إلى جرأة لا في إنزال "الحمير" فقط بل في كسر السلالم التي تسلّقوها وفي بناء منظومات جديدة لا يصعد فيها إلا من استحق ولا يبقى فيها إلا من يُضيف ولا يتقدّم فيها إلا من يحترق من أجل المصلحة العامة.
فلا نهضة تُبنى على أكتاف الجهلة، ولا تنمية تُدار بعقول صدئة، ولا مستقبل يُرسم بأيدي من لا يرى أبعد من ظلّه.