ماهي الدولة إن لم تكن خادمة لشعبها؟ قراءة في الحالة اليمنية
محور بلس
بقلم: علي خالد
ما هي الدولة إن لم تكن، في جوهرها، مؤسسة وُجدت لخدمة الإنسان، تصون كرامته وتؤمّن له العدالة والأمن والعيش الكريم؟ فالدولة ليست مجرد جغرافيا مرسومة على الخرائط، ولا سلطة متربعة على الكراسي، بل هي عقد اجتماعي يربط بين الحاكم والمحكوم، أساسه المسؤولية، وجوهره العدالة، وغايته رفاهية الشعب. فإذا غابت هذه المفاهيم، تحولت الدولة إلى هيكلٍ بلا روح، ومؤسساتها إلى أدوات للهيمنة لا للخدمة.
إن الدولة التي لا تكون خادمة لشعبها، تُصبح عبئاً عليه، ومصدر قهرٍ بدل أن تكون مظلة أمان. فالثروات العامة حين تُحتكر بيد فئة ضيقة، تفقد قيمتها الوطنية، وتتحول من وسيلة للنهوض إلى وقودٍ للفساد والصراع. والحدود التي يُفترض أن تحمي السيادة، تصبح أسواراً لعزلة الداخل وتمزيق النسيج الاجتماعي، عندما تُدار بعقلية الفئوية والمصالح الشخصية.
وهنا، لا يمكن الحديث عن هذا المفهوم دون التوقف أمام الحالة اليمنية — نموذج صارخ لتجريف فكرة الدولة وتحويلها إلى غنيمة بيد الساسة. فمنذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، تاهت اليمن بين مشاريع السلطة، وتوزعت خيراتها بين مراكز النفوذ، وتبددت أحلام شعبها في زوايا الشعارات الزائفة التي رفعتها النخب الحاكمة تحت مسميات الوحدة والديمقراطية والعدالة.
لقد فشل السياسيون اليمنيون، بمختلف توجهاتهم، في أن يجعلوا من الدولة كياناً وطنياً جامعاً، بل حولوها إلى ساحة تصفية حسابات حزبية ومناطقية. تقاسمت القوى السياسية مفاصل القرار، وتبادلت الاتهامات، بينما كانت البلاد تنزلق تدريجياً نحو الانقسام، والتدهور الاقتصادي، والانهيار المؤسسي.
لم تكن الصراعات التي عصفت بالبلاد سوى نتيجة مباشرة لغياب رؤية وطنية تجعل من الشعب مركزاً للقرار لا أداة للتعبئة والتجييش.
منذ التسعينات وحتى اليوم، ظل اليمنيون يدفعون ثمن طمع الساسة وتناحرهم. فبدل أن تكون الثروة وسيلة لتنمية الإنسان، أصبحت سبباً في تجويعه. وبدل أن تكون السلطة مسؤولية لخدمته، صارت وسيلة لامتصاصه. وبدل أن تكون الدولة حامية لحقوقه، تحولت إلى شاهد على معاناته، بل أحياناً شريكة فيها.
إن مأساة اليمن تكمن في أن من تصدروا مشهد الحكم، لم يؤمنوا يوماً أن الدولة خادمة للشعب، بل اعتبروها تركة يتوارثونها. ولو أنهم أدركوا أن القيادة ليست امتيازاً بل تكليف، وأن الثروة ملك للجميع لا لعائلات ومراكز نفوذ، لما وصلت البلاد إلى هذا المستوى من التمزق والضياع.
اليوم، ونحن نرى ما آلت إليه الأوضاع من أزمات سياسية واقتصادية وإنسانية، لا بد من إعادة طرح السؤال الجوهري: ما هي الدولة إن لم تكن خادمة لشعبها؟!…
إن الإجابة تبدأ حين يدرك الجميع، أن لا نهضة دون احترام المواطن، ولا وطن دون عدالة، ولا استقرار دون قيادة تؤمن أن القوة الحقيقية ليست في السلاح أو السلطة، بل في رضا الشعب وثقته.
فالدولة التي تنحاز إلى المواطن، وتُدير ثرواته لصالحه، وتتعامل مع قيادتها كخادمةٍ للشعب لا سيدةٍ عليه، هي وحدها القادرة على البقاء. وما عداها، فمجرد سلطة عابرة، مهما طال عمرها، مصيرها الزوال.