الصين تُعيد رسم خريطة صناعة الأدوية عالمياً.. طفرة التكنولوجيا الحيوية تثير قلق الغرب

بلومبرغ
محور بلس
يشهد قطاع التكنولوجيا الحيوية العالمي تحوّلاً تاريخياً تقوده الصين بخطوات سريعة وغير مسبوقة، لتتحوّل من مجرد منتِج للأدوية الرخيصة والمقلّدة، إلى منافس حقيقي للهيمنة الأميركية والأوروبية على الابتكار الطبي.
وفق تحليل نشرته بلومبرغ نيوز استناداً إلى بيانات شركة نورستيلا المتخصصة في قطاع الأدوية، قفز عدد الأدوية الجديدة قيد التطوير في الصين العام الماضي إلى أكثر من 1250 دواءً مبتكراً لعلاج أمراض السرطان والسمنة وغيرها، متفوّقةً على الاتحاد الأوروبي، واقتربت كثيراً من الرقم الأميركي البالغ 1440 دواءً.
هذه الطفرة المذهلة بدأت منذ إصلاح الصين لإطارها التنظيمي عام 2015، ما فتح الباب أمام تسريع المراجعات، وفرض معايير جودة صارمة، وتعزيز الشفافية. كما لعبت خطة صنع في الصين 2025 دوراً رئيسياً في جذب استثمارات ضخمة للقطاع، قادها علماء ورواد أعمال تلقوا تعليمهم في الولايات المتحدة وأوروبا.
ابتكار صيني بجودة عالمية
لم يعد الابتكار الصيني يُقاس بالكَمّ فقط، بل باتت جودة الأدوية محل اعتراف عالمي. إدارة الغذاء والدواء الأميركية ووكالة الأدوية الأوروبية بدأت تمنح بعض الأدوية الصينية تصنيفات مرموقة مثل أولوية المراجعة والعلاج المبتكر.
أحد أبرز الأمثلة علاج بالخلايا لسرطان الدم طورته شركة ليجند بايوتيك الصينية، وتسوّقه حالياً شركة جونسون أند جونسون الأميركية، بعدما حصل على مراجعات مُعجّلة وتفوّق على علاجات أميركية مشابهة.
الأمر لم يتوقف هنا؛ فقد أظهرت دراسة صينية حديثة تفوّق دواء من شركة أكيسو لعلاج السرطان على الدواء الأشهر عالمياً كيترودا من شركة ميرك. هذه النتيجة أثارت ضجة في الأوساط الطبية، ودَفعت شركات عالمية لعقد صفقات بمليارات الدولارات للاستحواذ على حقوق تسويقه.
مزايا تنافسية تغيّر اللعبة
ما يُعزز تقدّم الصين هو قدرتها على تطوير الأدوية بسرعة أكبر وتكلفة أقل بفضل وفرة المرضى، وشبكة المستشفيات المركزية، وإمكانية تسجيل المشاركين في التجارب السريرية بوقت قياسي مقارنة بالولايات المتحدة.
منذ عام 2021، أصبحت الصين الأولى عالمياً في عدد التجارب السريرية الجديدة، بحسب بيانات غلوبال داتا. هذا يعني أن شركات الأدوية الصينية تستطيع اختبار أكثر من فكرة علاجية بالتوازي، واختيار الأفضل في وقت قياسي، ما يُقصّر سنوات البحث والتطوير.
قلق غربي وتصاعد التوترات
هذا التقدّم الصيني يثير قلقاً واضحاً في واشنطن وبروكسل. لجنة تابعة للكونغرس الأميركي حذّرت من فقدان الولايات المتحدة قيادتها في هذا القطاع الحيوي، الذي لا يقتصر تأثيره على الصحة العامة فحسب، بل يمتد إلى الأمن القوميوالتطبيقات العسكرية.
بعض الساسة الأميركيين بدأوا يطالبون بفرض قيود على التعاون العلمي مع الصين، ومنع تصدير المعدات المتقدمة إليها، بل وتشجيع الشركات الأميركية على العودة للتصنيع داخل البلاد لمواجهة هذا الصعود الصيني.
انعكاسات محتملة على الشرق الأوسط وأسواق الأدوية العربية
هذا التحوّل لا يعني فقط إعادة توزيع موازين القوى بين بكين وواشنطن، بل ستكون له تأثيرات مباشرة على أسواق الشرق الأوسط والعالم العربي.
-انخفاض أسعار الأدوية المبتكرة: دخول الصين كمنافس رئيسي قد يؤدي إلى كسر احتكار الأسعار الذي تفرضه الشركات الغربية، ما يفتح المجال أمام توفر أدوية علاج السرطان والسمنة والأمراض المزمنة بأسعار أقل.
-زيادة الشراكات والاستثمارات: من المتوقع أن تتوسع الشركات الصينية في عقد شراكات مع الحكومات العربية ومراكز الأبحاث الإقليمية لتسويق منتجاتها، وهو ما قد يخلق فرصًا اقتصادية جديدة.
-تعزيز الاعتماد الطبي على الشرق: إذا أصبحت الصين مركزًا رئيسياً للأدوية المبتكرة، فقد يتحوّل الشرق الأوسط إلى مستورد أساسي للعلاجات الصينية، ما يقلّل الاعتماد التقليدي على أوروبا والولايات المتحدة.
لكن في المقابل، هناك تحديات تنظيمية، حيث قد تتردد بعض الدول العربية في الاعتماد على أدوية لم تحصل بعد على موافقات أميركية أو أوروبية، مما يتطلب بناء أطر رقابية جديدة لتقييم الابتكار الصيني.
نهاية الاحتكار الغربي؟
رغم أن كثيراً من الأدوية الصينية تحتاج سنوات إضافية لتنال الموافقات النهائية في الأسواق الغربية، يرى خبراء الصناعة أن تفوّق الصين حتمي في ظل وتيرة الابتكار السريعة والدعم الحكومي الضخم.
علي باشازاده، من تري هيل بارتنرز في لندن، يقول:
"لن يُنظر إلى الإبتكار الصيني قريباً كحالة استثنائية، بل سيصبح أمراً طبيعياً في صناعة الأدوية العالمية".
وفي وقتٍ تشتد فيه المنافسة بين القوى العظمى على الذكاء الاصطناعي والسيارات الكهربائية، يبدو أن السباق نحو الدواء التالي الرائج عالمياً بات يتحوّل شرقاً، نحو الصين التي لم تعد مجرّد سوق استهلاكية، بل باتت قوة ابتكار لا يستهان بها.