رحلة قلم .. من المعزاج إلى أطراف جحاف

     السماء تكاد تكون بمتناول اليد ،

وتحت الأقدام تسكن الأرض ، ونحن 

نرتفع على قمة ثلاعث ، حيث تنظر إلى

منازل مدينة الضالع وأريافها التي تتناثر

يسرة ويمنة مدَّ النظر تحت ناظريك .

 هناك حيثُ يقف جبل حرير كحارسٍ

من جهة الشرق ممتدًا بجواره سلسلة

هضاب ومرتفعات متفاوتة الأرتفاع إلى

أن يعانق جبل الشعيب من جهة الشمال ،

وعلى الجنوب الشرقي بالكاد ترى قمم 

جبال حالمين كأصابع الكف يغمرها تراب

كثيف يحجب الرؤية ( غمرة ) تذكرنا

بقول ابن القطوي حسين في إحدى 

قصائده الشعرية : 

على سفح الجبل غمرة وتاهم 

       رُبا الجو انعكس ذي كان بسام 

الساعة تقترب من الخامسة بعد العصر

السماء تتخللها سحب متناثرة خفيفة .

 الصمت يخيّم على المكان إلا من بعض

المركبات والموترات التي تمر بين الفينة

والأخرى .

رائحة تراب الأرض الذي تثيرها أقدام

الحمير التي يحرث بها أحدهم قريب

منا أرضه تصافح أنوفنا .

بالقرب من مكان جلوسنا عصفور صغير 

يصدر صوت زقزقته ، لا شيء يثير في

نفوسنا الحنين أكثر من صوته الشجي .

ثمة مجموعة من الفتية أقبلت من قرية

مواسط خلف مكان جلوسنا تثير الأرض

وتحدث نوعا من ضجيج قصير ما يلبث

حتى يزول بذهابهم .

في رحلة شيقة بدأناها بعد صلاة الظهر

حين خرجنا من منزلي الكائن في حي

المعزاج متجهين إلى أعلى منطقة ثلاعث

أنا ، وفضل الحسني ، ومحمد خالد ، و 

وليد محمد هادي .

هم يستمتعون بتناول أغصان القات وأنا

جالسا إلى جوارهم صامتا ، فقد تركتُ

شجرة القات منذُ شهور .

في رأسي تدوار عشرات الخواطر وأنا

منذ جلوسي أبحث عن مدينة الضالع

التي ضاعت في ذلك الفناء الواسع من

الأرض بالكاد أميز مكان عن آخر .

دار الحيد بقمته الشامخة لم أعد أراه

إلا مجرد مرتفعٍ صغير يربض بين تلك

الهضاب والتلال يحيط به جبل الخزان

كولد بين أذرع والده ، وهضبة العرشي

التي تراها من شارع المدينة كسور 

الصين العظيم لم تعد هنا إلا كسرير في

غرفة واسعة .

الشمس تقترب من المغيب وأنا مازلتُ

أظغط على ازرار جوالي الصغير لعلي

أكمل كتابة مقالي هذا . 

تتكدس الحروف أمام عيناي ولم أعد

أفصل حرفا عن آخر والتحسس ينذر

مقدمة رأسي بألمه الشديد وقطرات

دمع عيناي تسبح في مقلاتي ، هنا فقط

أُجبرتُ على التوقف عن الكتابة .

عمر القيفي 

10 \ 7 \ 2026